مرّة أخرى , مرّة ثانية , وليست أخيرة ..
يضرب ” مدحت صالح ” على وتر القلب , والشارع , والحياة بنت الستّا وستين كلب .. ويضربني أنا , .. وأنتم هنا .. ” ولا انتم هنا ” :
” ولا فيه دماغ ضربت , ولا حد بيشـْ .. ـتِكي لحظة ” ..
.. و .. ” ماشيا والأشيا معدن ” ..
ماذا يعني أن تنزلق الشمس عبر حنجرتي إلى فوّهة معدتي كلّ صباح , ..
أن تُنهي طوابير طويلة من النّمل مشوارها الطويل تحت جلدي , وأجفاني , وأظافري ..
هل هناك فرق , أدنى فرق أن تشربوا قهوتكم صباحاً مع سكّر
.
.
.
عالٍ , أو .. بضغط منخفض , أو دماغ ملتهب ..
هل يعني لأيّ منكم شيئاً ..
أن أنام ولا أنام , أن أموت ولا أموت , أن أحيا ولا أحيا ..
” بلاش انتم ” .
هل يعني ذلك شيئاً لأيّ عابر على الرّصيف , أو مجاور على إشارات المرور , ..
لامرأة جميلة تطلّ عليّ من شبّاك سيّارتها الفارهة في نفس المكان ونفس الزمان , ..
لمتسوّل يدقّ النافذة , لحمامة تبول على زجاج سيّارتي , لمختلّ يبصق على خدّي الأيسر الساعة السابعة والنّصف كلّ صباح , ..
هل أعني شيئاً لأمّي التي لم تكن أمّي , لأبي الذي لم يكن أبي , ..
لجدتي التي ماتت وهيَ عمياء , لجدي الذي مات طويلاً وحزيناً مثل قصيدة رثاء , لأختي التي ماتت باردة وحيدة دون أيّ غطاء ..
هل أعني شيئاً أنا .. أنا .. لله , للملائِكة , للكفَرة والشياطين وعباد الله الصالحين ..
لقطَط البيوت , لكلاب السّكَك , لذاك الغراب على عمود الإنارة أمام بيتنا ..
الذي ينتظر كل يوم أن أموت حتّى ينقر رأسي , ويأكل كبِدي , ويفقأ عيني , ويمضغ قلبي , ويطير بأمعائي بعيداً ..
هل يعني لكم شيئاً أنّ هذا الرّجل , نفس الرّجل , نفس الرّجل الذي عرفتموه سنين طويلة دون أن تعيروه أيّ انتباه , أيّ انتباه ..
الذي يكتب لكم الآن وأنتم لا تعرفون كيف تنطّ الحروف من بين أصابعه كضفادع البِرَك القبيحة..
هل يعني لكم شيئاً ..
لكم , لأيّ أحد , لأيّ أحد ..
لأيّ مارّ , لأيّ عابر , لأيّ أحد .
لا مؤاخزه ..
” دي عيشه ظريفه جداً “