[ وعَدتُ بكلّ برودٍ , وكُلّ غباءٍ ; بإحراقِ كُلّ الجُسورِ ورائي .
وقرّرتُ بالسرّ قتل جميع النساءِ , وأعلنتُ حربي عليكِ ..
وحين رفعتُ السلاحَ على ناهديكِ ; أنهزمتُ .
وحينَ رأيتُ يديكِ المُسالمتين ; اختلجتُ .
وعدتُ بأن لا.. وأن لا.. وأن لا..
وكانت جميعَ وعودي دُخاناً ، وبعثرتهُ في الهَواء.
وعَدتكِ بذبحكِ خمسينَ مرّه..
وحينَ رأيتُ الدّماءَ تُغطّي ثِيابي ; تأكّدتُ أنّي الذي قد ذُبِحْتُ ] *
* | أبيات من قصيدة ( محاولات لقتل امرأة لا تقتل ) لنزار قبّاني ..
———————————
لا يوجد عدلٌ في الحرب , هل هناك عدالة في الحُبّ ؟! :
– ” لأ ” .! .
هل هناك منطقيّة في هذه الحرب ؟! :
– ” لأ ” .! .
في هذا الحبّ ؟! :
– ” لأ ” .! .
– الحرب تبدأ بعداءٍ شديد ; ثمّ تنتهي ..
قد تنتهي باحتلال كامل , قد تنتهي مبكّراً وقبل أن تبدأ .. بسلامٍ ودون أيّ خسائِر , قد تنتهي بصُلح , وقد تنتهي باستسلام أحد الطّرفين , أو بخسائر مشتركة وفادحة جداً .
الحبّ ببساطة يبدأ من الآخر .
يبدأ بهزيمة , يبدأ بتسليم كامل وسريع ومباغِت من أوّل طلقة , ..
وينتهي بحربٍ شامِلة تُستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة العاطفيّة .
في المواجهة الأولى ..
يُطلق كلا الطرفين أوّل رَصَاصَة باتّجاه بعضهما البعض في نفس الوقت , في القلب مباشرة ..
ويُلقيا _ فوراً _ أسلحتهما على الأرض في نفس الوقت , تحت القدمين مباشرة ..
ويعلنا الاستسلام الكامل في نفس الوقت , في الحُضن مباشرة ..
وبعد هُدنة عاطفيّة طويلة , تكتمل خلالها المعرفة العميقة , والدقيقة , والمفصّلة بالحبيب ..
تبدأ الحرب , يبدأ الحُبّ ..
وفي هذه المعركة , ..
أنت القائِد , وأنت الجَيش , وأنت السّلاح , وأنتَ المُعتدي , وأنتَ المُصَاب ,
وأنتَ المُداوي , وأنتَ الدّاء , وانتَ الدّواء , وأنت القاتِل , وأنتَ القتيل ,
وأنت المنتصر , وأنت المهزوم , وأنتَ الخصم , وأنت الحَكَم , و ..
وباختصارٍ شديد ; قلبكَ ساحةَ قِتال لا ينتهي .
– في الحرب لا مكان للاتفاقيّات ; حيثُ تُخلف الوُعود , وتُنقض العُهود .
ولا يُنقذ الحبّ من الدّمار إلا عهدٌ قديم , أو وعدٌ صادق .
لأن عُهود العاشقين هي الشيء الوحيد الذي يُحتَرَم في معركة الحبّ , ..
وفي ساحة الحرب لا شيء مُحتَرمٌ أبداً , أبداً ..
لا عُهود , ولا عُقود , ولا اتفاقيات , ولا كلمة شرف حتّى ..
لا شيء , لا شيء , لا شيء .
لأنّ الحربَ قذرةٌ جداً .. فالسّياسة إذن حبٌّ يُدار بعُهرٍ فاضح , ..
لأنّ الحبّ طاهرٌ جداً .. فالغرام إذن حربٌ تُدارُ بطُهرٍ شديد .
ولأن المصلحة تتحكّم في الحرب , بينما الحبّ يتحكّم في كلّ المصالح .! ..
ولأن الغاية تبرر الوسيلة في الحرب , بينما الحبّ هو الغاية وهو الوسيلة .! ..
فالحبّ إذن هو :
الحربُ الوحيدة التي تُسعدنا وتُبكينا , تبدؤنا وتُنهينا , تقتلنا وتُحيينا .
– بعكس الحرب , يُحصي العارفون بالحبّ خسائِرهم بحجم انتصاراتهم :
حيث أنّ المُقاتلين في الحُروب يقيسون خسائرهم بمقدار مافقدوه , إلا أنّ غُزاةَ القُلوب يُحصون خسائرهم بمقدار ماغَنَموا ..
ففي مملكة المعشوق ; كلّ شبرٍ دُستَ عليه بخيلِك , وكلّ قلعة تسلّقتَ جدرانها بيديك , وكلّ شريانٍ عبرتَه بجيوشِك , وكلّ ذِكرى جميلة صوّبتَ نحوها بنادقك ..
وكلّ ابتسامة وكلّ دمعة وكلّ هجر وكلّ وصال وكلّ كلمة وكلّ حضن وكلّ قبلة وكلّ صفعة وكلّ شيء وكلّ شيء وكلّ شيء ..
كلّ شيء اعتقدت أنّك حصُلتَ عليهِ , أو حصل لك , أو للحبيب ..
كان منكَ وفيك ولك .. دون أن تعلم .
أنت لا تعلم .. لا تعلم أنّك إنّما كنتَ تخطّط لكي تحتلّ نفسك بنفسِك .! ..
– إذْ لا منتصر في معركة الحبّ , نحن الخاسرين دوماً ..
فعندما تنتصر على نصفك الآخر , تكتشف أنّ الأرض التي احتلّيتها كانت جزءًا من قلبك , وجزءًا من روحك , وجزءًا من عقلك ..
وأنّ أوّل رايات انتصارك ; غرستها في مُنتصف قلبكَ انت , ..
وأنّ أول رصاصة أطلقتها في ميدان الهَوَى ; ارتدّت إلى صدرك أنت , ..
وأنّ أوّل قطرة دمّ سفكتها ; نفرَت من شرايينك أنت , ..
وأنّ أوّل قتيل في المعركة ; كان أنت , وآخر قتيل كان أنت .
ولكي أكون أكثر دِقّة :
فأنت القتيل الوحيد في هذه المعركة ..
لذلك ..
فأنّ أوّل قرارٍ تتّخذه _ بعد ذلك _ بصفتك المنتصر , ..
.
.
.
.
أن تعلن للعالم كلّهُ أنّك مَهزوم ..
– لسوء الحظّ ..
كل هذا يحدث دون أن تشعر .
كل هذا يحدث دون أن تُحسّ , دون أن تعلم , دون أن تحتاط , أن تعي , أن تنتبه ..
وللأسف .. الشديد بالفعل ; تكتشف ذلك متأخراً , ..
تكتشف أنّك إنّما كنت تعمل بدقّة , ونِظامٍ , وصبر , ونَفَس , وهدوء , وحِكمة , ودَهاء , وصمت , وبخُطة محكمَة للغاية .. لكي يتمّ الاستحواذ عليكَ ..
.
.
كُلّيّاً .
.
.
بالكامل .
.
.
تماماً .
.
.
مِن إصبعِ قدمكَ الصّغير وحتّى نهاية آخر خصلة في شعرِ رأسك ; أنتَ مِلكٌ لمن اعتقدت أنّك احتلّيتَ قلبه .
– بينما يحتفل المهزومون في الحرب برحيل الغازي ..
إلا انّهُ من سُخرية الأقدار أن العاشق يبكي إن غادره المُحتلّ .
لأن الحبيب لا يترك القلب إلا ويُظلِم , ولا يغادر الرّوح إلا وتذبُل , ولا يهجر العقل إلا ويتعطّل , ولا يغيب عن العين إلا وتمتليء بالغيمِ والمطر والملح ..
العاشق هو الإنسان الوحيد الذي يتعب إن تمّ احتلاله , ويتعب إن تمّ تحريره ..
فالحبّ إذن كما ترون هو حيرة عُظمى ..
أن تحتار بين هزيمة وانتصار , ولا تعرف أيّهما تختار .
– في هذه الحرب , وبعد أن تنتهي ..
تكون قد قـَـتلت وقــُتلت , انتصرت وهُزمت , ضربت وأُصِبت , طعنت ونَزَفت , ضحكت وبكيت , اقتحمت وهربت ..
الذي لا تعرفه أنّك :
في نفس اللحظة أنتَ كنتَ كلا الطرفين , ..
في نفس اللحظة كنتَ القاتل والمقتول ,
في نفس اللحظة كنتَ المنتصر والمهزوم , كنتَ الضارب والمضروب , الطاعن والمطعون , الضاحك والباكي , الشجاع والجبان ..
ولكي أبسّط لكَ الأمر أكثر :
ركّز معي ..
أنت عندما تقع في الحبّ , وتتورّط في هذه الحرب _ انتبه جيداً لما يلي لأنّه سيفاجئك _ تكتشف أنّك طوال هذه المعركة ..
طوال هذه المعركة كنت ترفع سيفكَ أمام ” مرآة ” .
” شيء يجنن ” ! ..
أنا شخصيّاً لن أخوضِ حرباً مجنونة كهذه ; إذ أنّني أصبحتُ أعرف نتائِجها سلفاً , ..
فعلى الرّغم من أنكَ المنتصر , وعلى الرّغمِ من أنّكَ المُحتلّ , وعلى الرّغم من أنّكَ الحاكم , وعلى الرّغم من أنّكَ القاتل ..
إلا انني أطلبُ منك الآن , وبكلّ هدوء , ودون إثارة أيّ مشاكل , ولمصلحتك ” صدقني ” ..
أن تُلقي سلاحكَ تحت قدميكَ , وترفع الراية البيضاء .! .
قبل أن أمضي , أقول لكم :
في كتب التاريخ ..
” يصفّق المؤرخون للمنتصرين في الحَربْ , وكذلك .. للمهزومين في الحُبّ ..
.
.
أمثالي .! ” .