يا الهي عندما يضربنا الحب على غير انتظار ; مالذي يذهب منا , ما الذي يولد فينا ..
كيف نغدو كالتلاميذ الصغار ابرياء ساذجينا .
يا الهي كيف نستسلم للحب ونعطيه مفاتيح الامان
واليه نحمل الشمع وعطر الزعفران , كيف ننهار على اقدامه مستغفرينا ..
” نــــــزار ” .
—————————–
الحب لا يستأذنكم إن أراد الدخول إلى قلوبكم , ..
الحب لصٌ محترف , ومثقّف في نفس الوقت . إذ يندر هذه الأيّام أن تجد لصّا مثقّفاً .
اللصوص الأغبياء كثير , ويسقطون بسرعة في يدّ العدالة ..
لكنّ المثقفينَ منهم نُدرة , ويختارون ضحاياهم بعِناية شديدة , وبدقّة شديدة , وبطولِ بال ..
بمعنى أنّه يحدّد خصمه بانتقائيّة مُدهِشة , يتعرف عليهِ بتأنٍّ مستفزّ , ويدرسُ كلّ عاداته بتفصيلٍ مملّ ..
وكلّ يوم ..
يراقبُ دخولك وخروجك , ومن تصادق ومن تعادي , ومن تحب ومن تكره , وماذا تأكل وماذا تشرب , وأين تتناول إفطارك , وأين تقضي سهرتك كلّ مساء .. باختصار :
هذا الكائِن يعيش معَك دون أن تدري .
يوما بيوم , ساعة بساعة , دقيقة بدقيقة , وثانية بثانية .
قد يعيش معك كمخلوقٍ علويّ , أو كمخلوق سفليّ ..
الإثنان يستطيعون رؤيتك ولا تستطيع رؤيتهم , .. وأحدهم , أحدهم سيحطّمك بكلّ تأكيد ..
السّيطرة على حواسّك هي هدفه الأوّل , ولعبته التي لا يتقنها غيره , وسلاحه المجرّب والمهمّ والذي لا ينتصر بِسواه ..
حتّى أمهر السّحَرة , ولاعبي الخفّة لا يمكنهم مجاراته في هذا ; في الحقيقة هُم يتعلّمون منهُ مهنتهم ..
في البِداية يتحكم في بصرك , إذ لا ترى غير المحبوب ..
ثم يتحكم في سمعك , إذ لا تسمع غير صوته ..
ثمّ يبدأ في نشلِ حواسّك الواحدة تلو الأخرى ..
ولمّا يتمكّن منك ; يشلّ قدرتك على النطق كي لا تقوى على الصّراخ وطلب النجدة , ثم ..
يمدّ يده _ بمِهارة شديدة _ في جيبك ويسرق كل مفاتيح قلبك , وروحك , وعقلك .. ويضع قدمه الأولى في أعماق أعماقك بكلّ ثقة ..
وبعد أن يدخل ..! , .. ” يعزمك ” _ بكل بجاحة _ على الدخول معه .! .
إن خبأت عنه المفاتيح ; سيدقّ عليك الباب بكل أدب وهو يحمل بين يديه باقة وردٍ جميلة كأي جنتلمان .
وإن لم تفتح له .! ..
سيلقي الورد على عتبة دارك ثم يتسلل من تحت عقب الباب مثل الزّئبق , مثل الماء , مثل الهواء , مثل العطر , مثل الملائكة , مثل الشياطين , لن يعيقه أيّ شيء , أيّ شيء .
إنّه يدخل إلى بيتك مثل كل المخلوقات التي لا تُرى , ولا تُمسك , ولا تُحَسّ , ولا نشعر بها ..
وبعد أن يدخل .. صدقني ..
ستشعر به , ستشعر به جداً , جداً ..
إن لم يستطع الدخول عبر الباب .. قد يقفز عبر الشباك كأي ” حرامي ” ,
أو ينزل لك من المدفأة مدعياً أنه ” بابا نويل ” وأنه يحمل لك هدايا عيد الميلاد ..
لا تصدقه . .
فـ ” بابا نويل ” لا يزورنا أبداً في الخريف
حتّى وإن كان بيتك بدون مدفأة ؟! , حتّى وإن أغلقت أمامه الشبابيك ؟! .
بعد أن تغلق آخر شباك , وتسدل الستائر , وتطفيء الأنوار وتعود .. ستتفاجأ به على مائدة طعامك , وهو يعدّ العشاء .. لإثنين ..
الحبّ يزدادُ عُنفاً وإصراراً كلّما صدّيناه ..
أنا شخصيا أعترف أنّ الحبّ كان أقوى , وأذكى , وأشرس , وأعنف , وأدهى , وأقسى من واجهت في حياتي .
لديه القدرة أن يصبح المسيح , ولديه القدرة أن يصبح الشيطان في نفس الوقت .
الكلام في الحب سهلٌ جداً , لكن الإقامة معه صعبة .
الكلام عن الحبّ جميل جداً , لكنّ الإقامة معه بشعة جداً .
هو ضيف ثقيل , فضولي , مزعج , متطفل , عنيف , قاسٍ , فوضوي , ومتطلّب ..
لكنه حلو , ممتع , لذيذ , بريء , ساذج , وطيّب جداً , ويملك عقل طفل ..
تستطيع رشوته بقطعة حلوى , وتستطيع إشغاله بلعبة جديدة لكي يكف عن إزعاجك .
” خللي بالك ” ..
سيهدأ قليلاً لكنه لن يغادر ..
فبعد أن ينتهي من التهام الحلوى سيعود لإزعاجك مرة أخرى ..
نصيحتي إليك :
” لا تذهل من مظهره وهو ملطخ بالشوكولاتا , فقط اشتري راحة بالك وأعطِهِ لعبة أخرى , واحفظ في دولابك الكثير , الكثير , الكثير , الكثير من الحلوى ” .
لا يهمه إن كنتِ مكتئبا , لا يهمه إن كنت حزينا ..
هو لا يكترث إن حدث الفُراق بينك وبين من تحبّ , لا يقنعه أبداً أن تقول له وأنت تبكي :
” أنا تركته .. قلت له اتركني , وتركني وغادر .. أستحلفك بالله .. هيّا غادرني معه ” ..
لأنه .. سينظر إليك بكل برود , وسيجيبك وهو يهزّ كتفيه :
” وانا مالي , i dont care “
ثم يدخل قلبك مرة أخرى ويقفل الباب وراءه , …. وينام , وأنت ؟ , أنت لا تنام , أبداً لا تنام ..
الحب الذي يغذينا بكم هائل من الأحاسيس , والعواطف , والمشاعر , والرقّة , والحنان , والعطف , والشوق .. هو في الحقيقة مخلوقٌ لا إحساس لديه , ولا يملك أيّ مشاعر و .. لا يرحم .
هو ” ذوق ” جداً أمام الآخرين .
جرب مثلاً أن تشتكيه لأي صديق , جرب مثلا أن تقول :
أنهُ لا يعير دموعك أي اهتمام ..
وفي لمح البصر , ستراه وهو يحضر لك المناديل لتكفكف دموعك , سيضعك في موقف محرج جداً , وسيبكي معك أمام صديقك ..
إن أحببت يوماً ما , لا ترمي التّهمة على الحبّ ..
لأنه سيغادر مسرح الجريمة / قلبك , ثم يحضر للجميع بيّنة تواجده في مكان آخر وقت حدوث الغرام ..
الحبّ بالنسبة للرّجل خروج من عالم ضيّق إلى عالم أرحب , لهذا يعتبر الرجل أن تجربة الحبّ تُحاكي تجربة ولادته .
والحب بالنسبة للمرأة هو الطائر الذي يقف على صارية السفينة ليعلن الوصول إلى اليابسة , لهذا تعتبر المرأة الحبّ مخلوق تستطيع أن تراه , لكن لا تستطيع أن تمسكه .. تعتمد عليه للوصول لبر الأمان , ثم عندما تكتشف أنها تورّطت في جزيرة موحشة ومهجورة .. لاتجده على الصارية , ولا تجد السفينة اصلاً .
هذا الطّائر هو الرّجل , وتلك اليابسة هي المرأة , وهذه المركب هي الحبّ .
هو المركب الوحيد الذي يبحر بلا دفة , وبلا شراع , وبلا ربّان , وبلا خريطة ..
لو حاولت أن تدير الدفة , أو ترفع الشراع , أو تستعين بربّان , أو ترسِم خريطة تدلّك على اتّجاه الرّحلة .. ثق تماماً انّ الرحلة ستنتهي .
لا أؤمن بحبّ مبرّر , أؤمن بفراق مبرّر .
إن قال لك من تحب يوماً أنه يحبّك لسببٍ ما , فثق أنّه سيتركك لزواله .
ومن يعدّد أسبابه في حبّ الآخر , فمن وجهة نظري أنّه سيعدّ أسباب الفُراق على أصابع يديهِ أمامهُ في أقرب فرصة .
هذا الجهل بالسبب , هو الدّاعم لمشوار الحبّ .
وإن عُرف السّبب , بطُل الحبّ كلّه .
يجب أن ندعوا ربّنا ألا يأتي إلينا الحبيب يوماً ما بسببٍ واحدٍ يفسّر لنا ” لماذا يحبّنا ” .؟! .
لأنّ هذا السّبب سيكون المسمار الأول الذي سيُدقّ في نعشِ العلاقة .
وهذا يؤكّد أنّ الحبّ ; يحدث لسبب لا نفهمه , ولن نفهمه .
يحدث لشيء غير ملموس , شيء لا نراه بالعين المجرّدة , ولا نشعر :
متى , وكيف , وأين , ولماذا يحدث .
شيء خارق , وغير طبيعي , وغير آدمي .
يحدث دون منطق , دون معادلات , دون مقياس , دون حسابات , ودون تخطيط .
قد يحدث لنا مع أناسٍ دميمي الخِلقة , قد يحدث مع أناسٍ سيئي الطباع , قد يحدث مع أناسٍ ثقيلي الدّم , مع تقليديين , عاديين … إلى آخره .
حتى وإن كان الحبيب جميلاً , طيباً , مثقفاً , وخفيفَ دم .
وهذه لو حصلت فـ ” حظّنا من السّما ” , أن نقع في غرام من يحمل تلك الصفات الجميلة ..
إلا _ ويجب أن تصدقوا هنا _ أن تلك ليست أسباب عشقنا للآخر .
الحبّ قدر , ومكتوب , ونبوءة قديمة يجب أن تتحقّق ..
قدرك أن تحبّ شخصاً دميم الخلقة , قدرك أن تحبّه جميلاً .
أن تحبّ شخصاً سيء الطباع , أن تحبّه ملاكاً .
أن تحبّ شخصاً مرحاً , أن تحبّه ثقيلَ دمّ .
ولكن , ولكن كلّ هذا لا يفسّر لنا لماذا نحبّه .! , ..
لماذا نحبّ .؟! ,
لماذا نحبّ .؟! ,
لماذا نحبّ .؟! , ..
إن عرفت سبباً واحداً يبرر حبّك للشريك , تأكّد أن العلاقة انتهت .
الحب مرض
له سبب , له أعراض , له تأثيرات جانبية , له أطباء , و … مُعدي .
لكنه المرض الوحيد الذي ندعو الله أن نصاب به , ثم نحتار بعدها , نحتار جداً .. هل ندعو الله ليشفينا منه أم لا يشفينا .