بــَـــذْر
آدم , الرّجل معجونٌ بالذّنب , من أعلى رأسهِ حتّى أخمص قدميه , بالأكلِ من الشّجرِ المحظورِ عليه , آدمُ مشغولٌ بالتّفاح ; الذي يتوقف دوماً في حنجرته , لم ينزل هذا التّفاح , لم يصعد حتّى يرتاح , مشغولٌ بالسّوءات , وخطايا كثيرة وحكايات , الله قرّر أن يخلق شيئا مختلفاً هذي المرّة , أن يصنع مخلوقاً قابلَ للقطف , آدم كان بلا لونٍ , كان بلا طعمٍ , وبلا شكلٍ , صلصالاً أجوفْ , يدخل فيه الرّيح يخرج منه الرّيح , ونام عشر سنين , لم يتحرّك حتّى مزعَ الله ضلعاً من تحت ذراعه , ثمّ كوّن ساقا , ثمّ كوّن غُصناً , ثمّ كوّن شجرة , ثمّ طرحت حوّا في يومين .
————————
حــَــرْثــْــ
[ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ]
سورة يوسف | آية ( 23 )
————————
هيت لك :
تعني بِالسُّرْيَانِيَّةِ : عَلَيْك , وبالقبطية وبِالْحَوْرَانِيَّة :هَلُمَّ لَك , وتَهَيَّأْت لَك , ..
وتعني بالعربية : هِئْت ..
كل هذه التفاسير الحورانية , والعربية , والسريانية صحيحة .
لكن لم يشدّني , ولم يعنيني , ولم يهمّني إلا معنىً واحد أعرفه .
أعرفه بالفطرة وأعرفهُ بالنوايا الطيّبة , وأعرفهُ بخبرة عاشقٍ قديم ..
معنى بسيط ومباشر وواضح :
” تعال “ ..
لمّا خلق الله الإنسانَ آدم , وخلق منهُ حوّاء ; نزَع جسداً من جسد , وروحاً من روح , ..
وفي عملية الجنس _ الآن _ نحن الرجال أولادَ آدم ; نزرع أجساداً في أجساد , ونبثّ أرواحاً في أرواح .
نحن لا نقوم بعمل الإله هنا ..
في الحقيقة نحن نقوم بعمل الفلاح , والمرأة تقوم بدور الأرض , والله يقوم بدوره كاملاً ..
وأنا سأكتبُ لكم عن كلّ ذلك .
لكن التأثير يظلّ نفسه :
نفس الخوف , نفس القلق , نفس الصّبر , نفس التعب , نفس الدّهشة , نفس الرّهبة , نفس المُتعة .
في القول السائد ( الذي لا أتفق معه ) :
” الرجل يرى أن ممارسة الجنس مع المرأة غاية , وأنّ المرأة ترى أن ممارسة الجنس مع الرجل وسيلة “.
أنا أقول أن المرأة هي الغاية , والرجل هو الوسيلة ..
.
.
للحبّ .
هكذا أستطيع أن أقول أن ( فعل الحب ) أو Making Love مع الحبيب في وقت مُناسب , وفي مكان مُناسب , وتحت ظرف مُناسب ..
يماثل تماماً أن يسترق طفلٌ صغيرٌ النظرَ إلى الجنّة للحظاتٍ قصيرة جداً .
.
.
بمساعدة ملاك .
مايعني أنه :
” مُدهِشٌ كالفرودس , سريعٌ كالحُلم , ولا يُصدّق كمعجزة ” .! .
هذا الطفل هو الرجل , والملائِكة هم من يسرّب العُشّاق الصغار كلّ مرة إلى رحم المرأة , إلى الجنّة ..
والله يُراقب كلّ هذا بهدوءٍ تامّ وحِكمة شديدة .
ممارسة الجنس بين أيّ اثنين كعلاقة عابرة ; تشبهُ الجلوس على رصيف الانتظار في أيّ محطّة قطار ..
في حين أنّ ممارسة الجنس بين أيّ حبيبين تشبه الصّعود على القطار نفسه معاً , والمُرور على كلّ محطّة معاً , والنّزول في المحطّة الأخيرة معاً .
إن ممارسة الجنس بين حبيبين تبدأ دوماً ولا تنتهي , وممارسة الجنس بين عابرين تنتهي قبل أن تبدأ .
ممارسة الجنس بين عابِرَيْن محطّة في رحلة , وممارسة الجنس بين عاشقين هو الرّحلة نفسها .
إن لحظة الاتّحاد الجسدي بين معشوقين ..
هذه اللحظة المنتظرة , والهامّة , والمرعبة , والغريبة , والجميلة ..
تشبهُ تماماً لحظة طعن البرق للسحاب ليمطر , لحظة ضرب الفلّاح الفأس في الأرض لتثمر , لحظة ” رشّ ” الفنّان أول بقعة لونٍ بريشته على اللوحة ليرسم .
” فعل الحبّ ” مع الحبيب يتطابق تماماً في حقيقته مع ما ذكرت أعلاه :
لأنهُ مطر , لأنه حَصاد , لأنه فنّ لأنه فنّ لأنه فنّ .
ردّدوها معي :
” لأنه فنّ لأنه فنّ لأنه فنّ ” .
ولأن المرأة غيمة , ولأنّ المرأة أرض , ولأنها قُماش ” كانافا ” معتّق جداً , وخامْ جداً , وغالٍ جداً ..
لأنّها كلّ شيء , لأنّها كلّ شيء ..
كانت لحظة الوِصال بالنسبة للرجل العاشق أهمّ , وأجملَ , وأصعبَ , وأخطرَ , وأمتعَ لحظة في هذه العلاقة الحالمة التي نسميها :
” حب ” .
إن الشبه بين العملية الجنسيّة والزّراعة كبير جدا ; حيث المطر , حيث الخصوبة , حيث الحصاد ..
رحم المرأة يشبه بطنَ الأرض , لم أشكّ في ذلك لحظة ..
كلاهما خصب , كلاهما مُنتج , كلاهما يطرح ثمراً في موسم الحصاد ..
الفرق الوحيد أن العملية الجنسية يستمتع بها اثنان فقط ..
بينما الزراعة هي عملية مُعاشرة تتم بين السماء والأرض , ..
ويستمتع بها طرفٌ ثالث :
الفلاح .
لكن ليكن في علمكم , أن هناك أطراف أخرى غير مرئية , وعالية جداً , وقوية جداً , ونورانية جداً , وسيّدة جداً , وشفّافة جداً , وخيّرة جداً .. قد يسعدها ” فعل الحب ” بين اثنين أحبّا بعضهما بصدق ..
الإله , والملائِكة , وأرواح العُشّاق القُدامى في السّما , و ..
أنا .
أخيراً , وحتّى نقف خارج ” كادر ” الرومانسيّة , أقول :
تقول المرأة ” لا ” .! , وهي تتصوّر العملية الجنسية بالكامل مع الرجل الذي تحبّ .
ويضع الرجل المرأة التي يحبّ على السرير قبل أن تقول ” نعم “
————————
جـَــنـْـيْ
– الثّمر النّاضج جداً ; لا يعجبني , ..
أجني عنباً ; بعد كثيرٍ يذبل , ثمّ زبيباً آكله بمنقاري .
الجنس ثمّ الحبّ , أم الحبّ ثمّ الجنس ؟ ..
هل ” لو دخل الجنس من الباب , خرج الحبّ من الشبّاك ” ..
أم , ” حب بلا جنس , مثل أغنية من غير موسيقى ولا ألحان ” , يعني كلام , بس كلام …
لانعرف , لكنّ الأكيد ..
أن الاتّصال الجنسي بين محبوبين , يختلف كليا عن الاتصال الجنسي بين غيرهم .
بين زوجين تقليديين مثلا , بين عاهِرة ومُنحرف , بين رجل يحبّ وامرأة لَعوب , بين امرأة تحبّ ورجل ألعوبان , بين حيوان وآخر , ..
لكن مشاهدة عينا الحبيب المليئتان بالرّغبة , تعني أنّك على وشك زيارة الفردوس بعد ثواني .
لدقائق معدودة فقط , ثمّ تهبط من هناك إنساناً محمّلاً بذاكرة جميلة وغريبة ومُنهكة بسبب مشوار طويل ومُضني قطعته حتّى تصعد لهذه المنطقة العلويّة ثم تنزل منها .
تصعد ثم تهبط , تهبط ثم تصعد , تصعد ثم تهبط ……
الذّهول الذي يعقب تلك التجربة , لأنّك زرت مكاناً تعرفه ولا تعرفه , صعدت درباً يشبه درباً نزلت منه منذ زمن ..
وكأنّ السّماء تذكّرك بمكان مألوف كنت تسكنه , ثمّ تذكّرك بطريق قطعته أنت وشريكك صعوداً وهبوطاً من فوق لتحت , ومن تحت لفوق , من فوق لتحت , ومن تحت لفوق و ..
forth and back , back and forth
forth and back , back and forth
الممارسة بين محبوبين , صُعود بعيد وسفر بلا أجنحة وبلا محرّكات , وهذا السفر لا يحتاج إلى حجز أو مواعيد أو تذاكر , وإلا سيتأخر , ويُلغى , و ” يفوتكم ” , هذا هو السفر الوحيد الذي يجب أن يتم من أرض المطار مباشرة , وبلا تخطيط مسبق .
النّظرات النّاعمة , النّاعسة , الفاحشة , التي تريد , التي تبغي , التي تقول , التي تخفي , التي تبوح , التي ترتبك , التي تجرؤ , التي تخطّط , التي تنوي , التي تناور , التي تعرف , النظرات الخجولة والجريئة , النظرات التي تغوي وتعِظ , النظرات التي تجوع وتشبع , التي تحكي وتسكت , التي تسكت وتحكي , ..
الدّعوات , النّداء , أن تنده ولا تنده , أن تنادي ولا تنادي , أن تقول أريدك , أبغاك , تعال ,
تعال
تعال
دون أن تفتح فمّك ..
اللّمسات , مرور الأصابع في مناطق يعرفها الحبيب , ويعرفها المحبوب تؤثّر , ومرورها في مناطق لا يعرفها المحبوب تؤثر أكثر , ومرورها في مناطق يعتقد المحبوب أنّك كنت لا تعرفها تؤثر أكثر وأكثر ..
القبلات ; القصيرة , المتقطّعة , الطويلة , العنيفة , الناعمة , المبلّلة , المستفزّة , المتردّدة , المتبادلة بقوّة ورقّة , برغبة وحذر , بجوع وشبع .
القبلات ” اللي ” بكلام ومن غير كلام , ” اللي ” بملام ومن غير ملام , البوسة ” اللي بتعض ” , ” اللي ” بتذوق ” , ” اللي بتستطعم ” , ” اللي ” يادوب تلمس شفاه معشوقك , و ” اللي ” تُخفي شفاه معشوقك بالكامل داخل فمك ..
الأحضان المحتشمة والعارية , المتعجّلة والمتأنّية , التي تأتي بعد خصام , أو التي تأتي بعد صفاء
التي تحاوط الجسد من مختلف الاتجاهات , المحاولة على السيطرة على جسد الآخر , الضمّ , الاحتضان , الحضن من الخلف , من الجانب , من الأمام , من تحت ومن فوق , الالتواء , الانحناء , الالتفاف ومن يسيطر على ارض المعركة , ومن تتم السيطرة عليه ..
المعركة التي نريد أن نُهزم فيها برغم مقاومتنا , التي نريد أن نخسر فيها برغم نضالنا الشّديد , التي نريد أن نمكّن الآخر فيها من أرضنا , ونسلم فيها سلاحنا إليه , ونرغب فيها أن يعبث بأرضنا , أن يشعل هذا الجسد حرائق , ثم يسقط مطره عليه ..
التي نلقي فيها على الأرض آخر أوراقنا ونقف أسرى ومسلّمين وعُراة ونمدّ أيدينا ليوضع فيها الورد والأصفاد .
التي ننحني فيها سويا , التي نتمدّد فيها سويا , التي نقف فيها سويا , التي نجلس فيها سويا , التي نركع فيها سويّا .
المعركة المليئة بالطّعنات , والضربات , والقبلات
المعركة المليئة بالصّراخ والصفعات والأحضان
المعركة المليئة بأسماءنا التي نعرفها , والتي لا نعرفها , بأسماءها المألوفة والغريبة , المعركة المليئة بالألقاب والصفات العلوية والأرضية , أسماءنا السماوية , واسماءنا السفلية , المليئة بشياطيننا التي لا نستعيذ منها , وملائكتنا التي لا تغيب ,
التي يظهر فيها الإنسان فينا , والحيوان فينا , والملاك فينا , والشيطان فينا , ..
نخوض نِضالنا في جوّ ممطر وجاف , غائم وصاف , نحن المطر ونحن الأرض التي تتلقاه , نحن الثّمر ونحن اليد التي تقطفه .
نعم .! , ” فعل الحب ” بين عاشقين , عِنَب مسكّر .
ومن لم يذق الحب ولم يذق الجنس
يعني أنه لن يلمح هذه الفردوس التي جعلها الله في الدنيا؟!
مازن كالعادة رائع ما تكتب 🙂