” هل كنتَ سفّاحاً , أم شاذّاً ” ؟! ..
———————————
شكسبير قتل أغلب أبطاله ..
واحداً تلو الآخر , وإن لم يفعل ذلك بشكل كامل فيكون على الأقل قد حوّلهم على قَتَلَة .
خلقهم من العدم , ثم زرع الحب في قلوبهم , ثم قتلهم بكل قسوة , وبكل عنف , وبكل دموية , ودون رحمة , ..
وفي تراجيديا مذهلة ; جعلهم يقتلون بعضهم البعض أمامه , وأمامنا .. على خشبة المسرح .! ..
حرّض جولييت على الانتحار , وقتل روميو وراءها , وقتل عطيل بعد أن قتل دزديمونا بـ ” شوال ” مليء بالرمل , ..
وحوّل هاملت إلى رجل كان يقتل دون وعي , وقتل الملك لير , وماكبث كان سفاحاً ومجنوناً , قتلهم وقتل كل من اقترب منهم .. أغلب أبطاله إما قتَله وإما مقتولين .
قتلهم جميعهم , وقتلنا معهم في لحظات حزينة جدا , ومروّعة جداً , وصادمة جدا .
مالذي يجعل كاتبا مهما كشكسبير يخلّق كائِنات رومانسية وحالمة ومحبة وهائمة ورقيقة , ثم يحوّلها _ في لحظة غير متوقّعة إطلاقا _ إلى وحوش متعطشة للدّم , والانتقام , والقتل , ومليئة بالنزعة الانتحارية .؟! ..
لماذا تركنا نحبّ معهم , ونحلمُ معهم , ونشتاقُ معهم , ثم حوّلهم إلى خونة وقتلة ومتآمرين ..
ثم ذبحنا معهم في المشهد الأخير .؟! ..
في كل مرة يفتح فيها شكسبير السّتار , نبدأ الفصل الأول .. ونحن نعلم يقينا , يقيناً ..
أن أبطاله سيموتون قتلا أو انتحارا أو غيلة في الفصل الأخير .
ومع ذلك , كنا نقرأ ونحب , نقرأ ونشتاق , نقرأ ونحلم أن روميو _ مثلاً _ سيتزوج جولييت … هذه المرة ..
وأن عطيل سيتراجع عن شكّه القاتل .. هذه المرة
وأن هاملت سيتوقف عن فكرة الانتقام .. هذه المرة .
وأن الملك لير سيفيق من حمقه وسفهه .. هذه المرة .
لكننا في كل مرة , نُصدم بجرائمهم , أو بمقتلهم جميعا .
أنا ومن خلال قراءاتي المتكررة لتراجيديات هذا الرجل , بدأت أتساءل :
هل هذا الشاعر الرومانسي الحالم العبقري المثقف وصاحب الكاريزما العالية ؟! :
” قاتل ” ! , أم ” شاذ ” ! ..
أم كلاهما ؟! ..
أغلب أبطال شكسبير من الرّجال , كانوا ” في حالهم ” وكما يحدث لأيٍّ ممن يتورط في مأساة الحب , أحبوا فجأة ودون سابق إنذار .
روميو كان فتى عابث ومرفّه , ووقع في عشق إبنة ألدّ أعداء عائلته ..
عطيل كان قائدا قاسياً وغير متفرّغ لحياته الشخصية , وعشق امرأة من غير لونه ..
هاملت كان يبحث عن إجابة : يكون أو لا يكون .. وظل خلال أطول مسرحيات شكسبير جاهلاً بكينونته ..
كما ترون ..
الرجل في مسرح شكسبير غير متفرغ أبداً للحب ,
والمرأة في مسرح شكسبير تنتظر الحب على الشرفة كل فجر .
لذلك , يموت الرجال في مسرحيات شكسبير في لحظة كره , وتموت النساء في لحظة حب .
يموت الرجال في لحظة شك , وتموت النساء في لحظة ثقة
يموت الرجال في لحظة أنانية , وتموت النساء في لحظة تضحية
يموت الرجال في لحظة طيش , في لحظة غضب , في لحظة غباء , في لحظة حيرة ..
وتندم المرأة , قبل إقفال الستار تندم على أنّها وقفت على الشرفة .
حوّل شكسبير الرّجال إلى قتَلة , والنّساء إلى مجدليّات ..
هل كان شكسبير قاتلاً , أم رجلا ذو صفات أنثويّة .؟! ..
مازن غير ظاهر تقرير عن مشاركة مخالفة الرد مع إقتباس