أعرف فقط كيف تبدو اليد تصفع , اليد التي تردّ الباب , الإصبع الذي يلوّح بالتهديد , الذي يفقأ العين , الذي يشير لي بالسّكوت , أعرف اليدّ التي تحمل الحقيبة وترحل , التي سرقتني , أعرف الإصبع الذي يشي للآخرين بي , الذي يلمز عليّ , الإصبعان اللذان يقرصاني في كفّي الأيمن , اليدان اللتان تمسكان ياقتي بشدّة وتهزّني , أعرف اليد التي نزلت على قفاي , واليد التي جرّتني من ثيابي , أعرف اليد التي ترمي لي قطعة الخبز على الأرض , أعرف الإصبعين اللذين كانا يشدان أذني , أعرف اليد التي تحمل السكّين , والتي تعلّق لي المشنقة , والإصبع الذي يضغط الزّناد , والتي تجلدني بالسّياط , أعرف اليد التي ستكتب نعيي في صحف الغد , الإبهام الذي أعضّ كلّ مساء , أعرف اليد التي دلّتهم عليّ , واليد التي خانت , التي أدرت لها خدّي الأيمن , ثمّ خدّي الأيسر , ثم خدي الأيمن , ثم خدي الايسر, ثم خدي الأيمن , ثم خدي الأيسر , أعرف الأصابع العشرة التي خدشت ظهري , وصدري , ووجهي , وذراعاي , أعرف اليد التي لم تحنو عليّ , التي لم تمسح جبيني , التي لم تربّت على كتفي , أعرف اليدان اللتان كتمت أنفاسي , أعرف وظائف الأصابع جيداً , هذا الإصبع الذي يضغط على جرحي , وهذا الإصبع الذي يتّهمني , وهذا الإصبع الذي لا يحمل خاتم زفافي , وهذا الصّغير الذي لا وظيفة له ..
وأعرف جيّداً الإصبع الأوسط الذي أشير بهِ إليكم
Month: نوفمبر 2008
محمي: ويطلعُ منّي نخيل .
الموتُ نبيلاً .
– كِتابة مذكّراتي خيارٌ قد ألجأ إليهِ بعد وفاتي !..
نعم; بعد..
مذكّراتي; أعني ما لم أكتبهُ هنا، ما سَكتّ عنهُ طوال حياتي، ما لم أحكهِ أبداً لأحد ونجحت، ما حاولت أن أخفيه عن الله وفشلت، ما لم يقرأهُ سوى العفاريت التي تشاركني الكتابة، والشياطين التي تشاركني السّرير.
بعد وفاتي; يعني أن أكتبها قبل أن أموت وأسمح بنشرها بعدما أموت، أن أكتب المسكوت عنهُ في حياتي، الذي لم أجرؤ على ذكرهِ لأحد، الذي يقتلني كلّ يوم، وكلّ ساعة، وكلّ دقيقة، وكلّ ثانية.
المسكوتُ عنهُ ; الذي لا أستطيع نشره الآن; إلا لو:
( ………………… ) .
حسناً:
لارتكاب جريمة قتل ; تحتاج إلى أن تمرّ في حياتك بتجربة سطرٍ واحدٍ يشبهُ ما كتبتُ بالأعلى، وأنا لديّ أحد عشر سبباً تسمح لي أن أحصل على بندقيّة.
1 – أن أكون شاعراً فهذا يعني أنّي أركض في مرجٍ أخضرٍ واسعٍ وجميل، لكن هذا يعني أيضاً أني لست من سيحمل البندقيّة.
2 – أن أكون بندقيّة، يعني أن أقتل كلّ قصائِدي التي تركضُ في المرج.
3 – أن أكون قصيدة، يعني أن أطلق الرّصاص على أصابعي وأكتب.
4 – منحني الله القدرة على الكِتابة، ثمّ خلق لي مأساة عظيمة لا أستطيع الكِتابة عنها; هذا يعني أن الله أطلق أصابعي في الهواء، ثم أطلقتُ الرصاص على أصابعي.
5 – يا سيّدي، أعطيتني الشّعر والمآسي الكثيرة، على الأقلّ;.. على الأقلّ أعطني بندقيّة.
.
.
7 – أعطِني بندقيّة، أو أعد لي إصبعين.
8 – سبّابتي تسرّبُ كلّ سرّ دفنته لإبهامي، ويفضحاني، أرجوك ; أعطِني بندقيّة.
9 – لو افترضنا أنّ الفكرة سِرب حمام، وأنّ القصائدَ حقل، ………. أرجوكَ بسرعة أعطني بندقيّة.
10 – لو افترضنا أن الشّعر غناء ، وأنّي في لحظة سلطَنة، …….. أعد لي إصبعين فقط.
11 – الموت بأناقة هو ما يجب أن يفعله شاعر مثلي:
أن أقف وأنا أرتدي حزُني الأسود كامِلاً، أن أنحني لألمّع سُمعتي السّوداء جيّداً ، الموت بأناقة أن تقف كلّ قصائِدي أمامي على الطاولة، أن أؤدّي لها التحيّة، ثمّ أضع ماسورة البندقيّة تحت ذقني وأطلق الرّصاص..
تحت ذقني; إذ يجب أن أموت مرفوع الرأس أمام قصائدي.
.
.
.
أعطني بندقيّة.