” خـيـاراتٌ أُخـرى لـعـُطـيـلٍ آخـر “
11-01-2003
أنا الآن بصدد أن أنهي حياتي بيدي , أن أنتحر كما يُقال عادةً ,
هذا رأيهم .. هُم يسمونَ الموتَ أسماءَ كثيرة :
( إنتحار , قتل , وفاة , إغتيال ..! , …. ) , وهَلُمّ جَرّا ,
برأيي لا فرق ; طالما أن القبر هو المحطة الأخيرة , فكما تعلمون أن كلّاً من المنتحر , والقتيل , والمتوفّى , والمُغتال يرقُدون ستةَ أقدامٍ تحت الأرض ..
يحضُنهم نفس القبر , يخرج من فمِهم , ومنخريْهِم , وآذانِهم نفسُ الماء , ونفسُ الدم , ونفسُ القيح .. ثم يأكلهم نفسُ الدود .. ولهم بين فكّيْ الدودة الأخيرة , تلك الدودة التّافهة القذرة الحقيرة .. نفس الطّعم المُنتِن ..
أنا رتبت كل شيء لكي أظلّ _ عندما يحين الوقت _ وحيداً في شقتي الصغيرة .. وأقوم بذلك دونما أيّ محاولة لإثنائي عن هذا القرار , أو حتى سؤالي عن الدافع الذي أدّى إلى اتخاذي تلك الخطوة ..
لاأريد أن يسألني أحد ,
وأنتم .! ,
” كُرمى لله ” , لا تسألوا , إسمعوني وحسب :
لأنني أريد أن أموت دون أن أرى تلك النظرة على ملامحهم ,
دون أن يسألني أحد السؤال المعتاد :
– ” هل هناك ما يستحق أن تُنهي حياتك من أجله ” ,
ودون أن أضطر أن أجيب كالعادة :
بـ ” نعم .! “
– ” حياتك أهم “
” لا شيء يهم بعد الآن “
– .” ولكنّكَ ……….. “
ولكني …
ولكني الآن أصبحت أدركُ أن هذا ” الديالوج ” الذي يتكرر دوماً .. فخٌ يُنصب لي في كل مرة ; حتى يتمكنوا من منعي من محاولة إنهاء حياتي بيدي بينما أتحدّث معهم , ليرموا بي هذه المرة في مصحٍّ نفسي , أو يُحضروا لي كما يحدث في كل مرة .. مُقرئاً يتلو عليّ ماتيسّر ..
أريد أن أقوم بذلك قبل أن يعودوا , قبل أن يعرفوا ,
قبل أن يمنعوني .. ويُلقوا بي مرة ثانية في غيابتِ القلبْ .. قلبي مظلمٌ ياسادة , مظلمٌ وموحشٌ كبئرْ ..
أريد أن أموت وبأي طريقةٍ كانت ,
ومطلبي منكم .! , أن تساعدوني في انتقاء الطريقة الأليَق .. بشاعر .
مثلاً ,
مارأيكم أن أمزّق شريانيَ الأيسر بيدي اليُمنى , أو أن أسقط من عُلوٍّ كبير وأنا أبلع كَمّاً كبيراً من الهواء , أو أتجرّع قطراتٍ كافيةٍ لقتلي من السُمّ وأنا أراقب امرأةً جميلة , حزينة , يظهر نصف وجهها من الطرفِ الأيمن لنافذة غرفة نومها وهيَ تبكي , وترجوَني عن بُعد .. ألّا أقتُل نفسي ,
إن سمحتم لي فأنا أحبّ أن أشاهد ذلك ,
تلك هيَ البُرتقالة الأخيرة التي يمدّونها للمحكوم عليهم بالإعدام ,
نعم .. دخل أبونا آدم الدنيا وهوَ يهُمّ بقضمِ تفاحة , لكنني سأخرج منها وأنا أقشّر قلبي كما أقشّر بُرتقالة ناضجة ..
كلّ شيءٍ جاهزٍ تقريباً ,
فعدة الإنتحار .؟ , متوفرة ,
وأسباب الانتحار .؟ , أيضاً متوفرة .
لديّ مثلاً ..
مسدّس .! ,
هه , مارأيكم .؟! ,
مسدّس ذو ستّ رصاصاتٍ ومحشوّ بالكامل , ولدي الكثير من الخيارات ,
فمن الممكن أن أضع فوهة المسدّس مباشرة على جبهتي وأطلق , أو أن أضعها تحت ذقني وأطلق , أو أن أُدخل ماسورة المسدّس في فمي .. وأطلق ,
لكنني .. لا أخفي عليكم , أني أفكّر أن أجرّب لعبة الروليت الروسية , أي أن أضع في المسدّس رصاصة واحدة فقط , وأدير الدولاب بطريقة عشوائية وأطلق أول طلقة على صدغي الأيمن , أريد بذلك أن أموت ميتتين , أن أموت من الرّعب قبل أن تُحدث الرصاصة ثُقبين متعاكسين في رأسي ,
ولكن ..
ماذا إن لم تخرج الرصاصة بالفعل .؟! , ماذا إن لم تكن الرصاصة الوحيدة ; في تلك الحُجيرة التي توقف عندها الدولاب .؟! , ماذا إن كانت الحُجيرة فارغة .؟! .
لا يهم ..
لدي حبل غليظ , ومروحة في السقف , وكرسي .. أستطيع أن أربط الحبل بالمروحة وألفّهُ حول عنقي النحيل , وأقف , ثمّ أتأرجح قليلاً ليقع الكرسي , ويخطِفني الحبل بسرعة قبل أن تلامسَ قدمايَ الأرض ..
ولكن ..
ماذا إن كان الثِقَل الذي ينوءُ به قلبي أكبر من المروحة .. ووقَعَتْ , ولم أمُت .؟! ,
لدي كمية هائلة من الحبوب المسكّنة أستطيع أن ألتهمها على دفعات متتالية , خمس حبات في كل دفعة .. , ستة ستة , سبعة سبعة .! ,
ولكن ..
ماذا إن تقيأت .؟! ,
لدي أيضاً ” سَرِنجة ” فارغة أستطيع أن أحقن بها شرياني الذّابل بالهواء لينتفخ , وينتفخ , وينتفخ حتى ينفجر ,
أو أن أقطعه بشفرة حلاقة حادة في لمح البصر , قبل أن يختفي ويهرُب ..
ولكن ..
ماذا إن . . . اختفى . . . هوالآخر .؟! ,
لدي خيارات أخرى , فمثلاً :
أنا أسكن في الدور الثالث , ولدي شُرفة أستطيع أن ألقي بنفسي منها مباشرةً على الأسفلت ,
لدي كذلك أعداء كثّر أستطيع أن أكلم أحدهم ليدهَسني بسيّارته كأي كلبٍ ضال ,
أو ينحرُني .. كما تُنحَرُ الشاة , أو يغرس _ بطعنات سريعة ومتتالية _ سكيناً في جنبي , ثم في قلبي , ثم يُدخلها بين أضلاعي ويضغط بقوة حتى يتسرب دمّي من بين أصابعه ,
وأعدائي مخلصين جداً ولن يتأخروا , على سبيل المثال هناك زميلي في العمل ” عبدالحميد ” , إبن كلب وقذر وحقير .. ذلك السافل سيأتي مهرولاً إن طلبت منه ذلك , يستطيع أن يهشّم رأسي بمطرقة , أو بصخرة , أو حتى بكتابٍ ضخم عدة مرات حتى تتفتت جمجمتي , ثمّ يبصق على جثتي ويغادر بعد أن يدوس على بطني .
.
.
.
.
.
.
.
و .. لديّ الكثير من الشوق إليها .