سعي ..
—–>
أنا أتذكّر ساعة مولدي , يوم أن قدّمَت أمّي لأبي وعاءًا مليئاً بالدمّ وبالماء وبالأوجاع وبي , دلقتني عند بابهِ ثمّ اختفت .
مِلتُ إليه وأنا أشبهُ أحد ضلوعي ; نحيلٌ منحنٍ منكسرٌ وحزين .
<—–
قلبي يدقّ , يدقّ , يدق ولا يفتحُ له الله باب .
—–>
يعقد الله أمنياتي في ذيل قط , ثم يرشقه الآخرون بالحجارة , وأنا – من يومها – لم أستقر على أرضٍ ولم تلتقطني سماء , ولم يحلّ الله لي أمنية .
<—–
أنا أوسع بكثير من استدارة بطن أنثى , وأعلى من صوت الطّلق الأخير .
ما تيتّمت أنا إلا لحظة أن أزحت السّتار وخرجت , وأدّيت دورَ الفارّين من العُتمة , واختبأت خلف انثناء مرفقي وانتحبت .
ومن قبل كنت أكسّر البندق والجوز , وأركض فوق كتف أبي .
—–>
والآن .
وجهي ملطّخٌ ببقايا شتيمة وبقايا دُعاء , وسُمعتي ما عادت جيّدة أمام النّساء , وكأن الله ما زرعني في بطن أمّي إلا بحظ شيطان وخطيئة ملاك .
صدري يتّسع ويضيق ويتّسع ويضيق , وهذا منهكٌ جداً لآدميّ ,
ولرجلٌ – مثلي – حزين جداً ورقيق وطيّب , أنا لطيفٌ جداً بالمناسبة .
أو هذا ما يفترض أن أكون , كنت أوميء برأسي لأي امرأة تجلس على الطاولة المجاورة ,
وأرفع قبّعتي لأي امرأة تمرّ فوق الرّصيف , وأنادي النساء بألقابهنّ :
سيّدتي , يا آنسة ..
كنت أفتح الباب للسيّدات وللآنسات , أعبر إلى الناصية المقابلة وفي يدي مظلّة وفي يدي الأخرى العجائز والأطفال والمقعدين والشّكر الجزيل , أدلّل الورد وأعرف أوانه وأعرف كيف أضمّه في شريط ملوّن وأعقده , أعرف أن صنعة الورد تعني أن أجيب على : كيف ومتى ولمَن , لكنّي الآن طيّرت الكثير من المظلّات ومن القبّعات , وجرحني الكثير من الورد , وأصبحت أغلق الباب على ذيل فستان وعلى أطول إصبعين في يدي .
<—–
ما تيسّر من الغرام , قرأتهُ عليها وأجَدْت
وما أمّنَتْ بعدي , ولا قالت أعِد , وكأنّ الشّعر الذي بيننا خانَ وخنت
وكأنّ صوتي نشَزَ في المقطع الأخير من البكاء , وأنا الذي أبداً ما تجاوزت شهقة ولا أخلّيت بنشيج . كنت عالياً في نحيبي , و” سلطنتُ ” كثيراً , موّالاً مشيت إليها أنا ومقامات .
ما توفّر مما بين كتفي ومعصمي مددته إليها ومالت عليه , ونام خدّها عند انحناء ذراعي ,
وأنا لا زلت أشبر ظلّي الممتد إليها وأخطيء كلّ مرة في الحساب .
ما بدأت هي إلا معي , وما انتهيت أنا إلا بها , وأنا بينها وبين نهايتي كنت أبعد من اللحظة الماضية , وأسرع من اللحظة الحالية , وأطول من لعنة الله عليّ .
—–>
آمين , وإني مشيتُ إليك إلهي , ومُنحنىً أعرفه في الطريق , وقلتُ هذا محرابٌ لفمي ; عنقها الطويل الذي سمّيناه – أنت وأنا – مئذنة وقلتَ اذهب , علّق عليه صلاةً , ونداءًا , وفجراً , وحماماً , وطيّر لي دعاء .