قال هذا حُبّي .

[ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ | فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ | فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ | إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ] *

 

* الأنعام | الآيات ( 76 , 77 , 78 , 79 )

——————————-

الحبّ والإيمان ..
والحيرة بينَ الجسَد والرّوح , بينَ المحسوس والملموس , بينَ الحُضور والغِياب , بينَ العقل واللا عقل , بينَ المنطق والعبَث , بينَ الشكّ والإيمان ..

رحلة البحثِ عن الربّ , تشبهُ _ من وجهة نظري الشّخصيّة _ رحلة البحثِ عن الحبّ ,
رحلة الأنبياء , والفلاسِفة , والقدّيسين , تشبه رحلة العُشّاق بحقّ / عُشّاق الرّوح ..
هي رحلة البحثِ عن الواحدِ / الوحيدِ / المتفرّدِ / الأكبرِ / المُطلَق / الذي لا يُشاركهُ أحد ..

إلا أنّ رحلة البحث عن الربّ تبدأ بأسئلة , ورحلة البحث عن الحبّ تنتهي بأسئلة ..
الباحث عن الربّ يشكّ ثم يؤمن , والباحث عن الحبّ يؤمن ثمّ يشكّ .! .
الباحث عن الربّ يبحث عن أجوبة , والباحثُ عن الحبّ يعثرُ على الأجوبة مقدّماً , يعثرُ على كلّ الأجوبة , ..
يجدها معلّبة وجاهزة في بيوت الشّعر , في القصصِ , في الحِكايات القديمة , في قلوب العاشقين والحَزَانى والمجانين , …
.
.
.
أمثالي .! ..

يعرف العاشِقُ كلّ الأجوبة ; قبل أن يبدأ رحلته ..
ثمّ لسببٍ نجهل لماذا يحدث ..! , ولظرفٍ لا نعلم متى يحدث ..! , وبأسلوب لا نعرف كيف يحدث ..! , ..
يفقدها / ينساها / يضيّعها أوّل ما يُحِبّ , ..
لذلك نجد أنّ كلّ من ينظـّر في الحبّ قبل أن يعثر على نصفهِ الآخر , يُصبحُ جاهلاً بهِ عندما يجده ..
يبدأ في السؤال ; وقد كان قبل ذلك يملك كل الأجوبة ,
يبدأ في الحيرة ; وقد كان قبل ذلك يعرف طريق العاشقين ,
يبدأ في التعثّر ; وقد كان قبل ذلك ” واثقُ الخطوةِ يمشي ملكاً ” ..
شرَط إبراهيم إيمانهُ بالربّ بالحُضور , ..
وعلى الأدقّ ; الاستمرار في الحُضور , أي ألا يغيب , .. أبداً ..
أن يكون هائِل الحجم ; أي ألا يكون هناك من هو أكبر منه , .. على الإطلاق ..
أن يكُون مؤثّراً ; أي ألا يكون هناك من يفوقهُ تأثيراً ..

ألسنا نعرّف الحبّ هنا ؟! ..

 
و _ في نفس الوقت _ يعتبر العاشق أنّ حُبّ عمره هو الذي لا ينقطع , بل يستمر , ويستمر , ويستمر إلى ما لانِهاية , ..
هو الخالد دوماً ; الخالدُ الذي لا يموت ..
هو الحاضر دوماً ; الحاضر الذي لا يغيب ..
هو الكبير دوماً ; الأكبر على وجهِ الدّقّة .. الذي يُنير حياته , ويؤثّر فيها , الذي يهبهُ السّعادة , السّعادة الدائمة ..

ألسنا نصف الربّ هنا ؟! .
لكنّ إبراهيم وجدَ _ في النّهاية _ أنّهُ صارَ يعبُدَ ربّا غير مرئيّ , ..
والعاشق يكتشف _ دائِماً _ في النّهاية أنّ حبّ العمر أقربُ من أن يطالبهُ بالحُضور , ..
أعظمُ من أن يكفر بهِ لمجرّد أنهُ لا يراه , ..
أكبرُ من أن يقيسهُ بآخر ; كما فعل إبراهيم عندما قاس الكوكب بالقمر بالشّمس .. و … وتعب ! , ..
تعبَ لأنّ الربّ لا يُقاس بأيّ شيءٍ , لا يُقارن , لا مثيل له ..
ونحن سنتعبُ , سنتعبُ جداً ..
لأن الحبّ الحقيقيّ لا يُقاس بأي مشاعِر أخرى , لأنّ الحبيب لا مثيل له ..

لم يكن إبراهيم لِيؤمن بربّ يغيب , ولم يكن لِيؤمن بربّ أقلّ حجماً , ولم يكن لِيؤمن بربّ أقل تأثيراً ..
والعاشق يؤمن بحضور الحبيب , ووجوده , وهيبته , ولا يؤمن بحبّ أقلّ مساحة , ولا أقل تأثيراً , ولا أقل حجماً ..
يكتشف العُشّاق العارفين بسِكَكِ الهَوى ; أنّ الحُضور الروحيّ للحبيب أقوى من الحُضور الجسديّ , ..
مؤخراً يكتشفون ذلك , مؤخراً ; في مرحلة متأخّرة من الحبّ ..
عندها يتحوّل الشكّ إلى إيمانٍ مرّة أخرى ..
في مرحلة الشّك يبحث العاشق عن المادّة , عن الملموس , عن الجسد , ..
في مرحلة الإيمان يلمس العاشقُ الرّوحَ بالروحِ , يؤمن بالله وبالحبيب معاً لأنّهما أبعد وأكبر من أن يتجسّدا ..
” الله مـَـحـَـبــّــة ” :
هكذا يقول المسيحيون , ..
فكّروا معي في الله قليلاً ..
فكّروا ! , ..
وستكتشفون ; لماذا صارت عاطفة الحبّ _ من أوّل التاريخ _ هي أول وآخر فصلٍ في كلّ حكاية , ..
أوّل وآخر قافية في كلّ قصيدة , ..
أوّل وآخر نوتة في كلّ مقطوعة موسيقيّة , ..
حتّى في الحِكايات المقدّسة كان الحبّ أول آية وآخر آية , أول سفرٍ وآخر سفر , أوّل مزمور وآخر مزمور , أوّل وصيّة وآخر وصيّة ..

إقرأوا ..
حتّى الأنبياء / والقدّيسين / والصّالحين / والرّهبان …… ..
أحبّوا , وتعذّبوا , وسُجِنوا , وقُتِلوا , و .. اضطروا لمخالفة كلّ القيَم _ في لحظة ضعفٍ سجّلها التاريخ _ من أجل شيءٍ اسمهُ الحبّ .
كان هاجس الغِياب عن القلب والعين هو المبرّر الأول , وكان هاجس الحُضور المادّي المستمرّ هو المبرر الآخر ..

أول جريمة قتل كانت بسبب الحبّ ; قابيل ابن أبونا آدم قتل أخيه هابيل من أجل امرأة , غيّب أخيهِ إلى الأبد لتحضر المرأة التي يحب .. إلى الأبد .. كانت ” بلوزا ” أخته .

إبراهيم النبيّ طلب من المرأة التي معه في مصر أن تدّعي أنها أخته لأنه خشيَ أن يُقتَل بسببها .. فكذبت لأنّها تحبّه , خافت أن يغيب ..
تلك المرأة هي زوجتهُ “سارا” .

يوسف الصّدّيق سُجِن لأنّ امرأة أحبّته , وهمّ بها , غاب في السّجن بضع سنين , تلك المرأة هي .. ” زُليْخة ” . .

سليمان جيّش الجنّ والعفاريت , والطّيور , والرّجال لإحضار امرأة واحِدة , .. امرأة اسمها ” بلقيس ” ..

امرأة تسبّبت في قطع رأس النبيّ يحيى لأنّهُ صدّها بعدما أحبّته , غيّبتهُ عن الدّنيا كلّها لأنّه رفض الحُضور لدنياها .. تلك المرأة اسمها ” سالومي ” الراقصة .

الحُضور / الغِياب , هما طرفي المعادلة في ما نسميه ” حب ” ..

 

الحبّ الغائِب عن أعيننا , ..
يسكننا جداً , يسكننا هناك عميقاً جداً , بعيداً جداً ..
لذلكَ قد لا نراه بالعين ..

و .. قريباً جداً , جداً , جداً ..
لأنّه يسكنُ القلب , لأنه يسكنُ الروح , لأنه يسكنُ العقل .

 

[ يبدأ الأنبياء دعوتهم سِرّا , ولمّا يتعاظم الأمر تُصبحُ دعوتهم جهريّة ,
ويبدأ العُشّاق علاقتهم سرّاً , ولّما يتفاقم الأمر تصبحُ قصّتهم حديث المدينة * ]

وأنا لديّ معجزاتي .

” في الحبّ شيءٌ من عظمَة الله , وأنفاسِ الشّياطين , وعذابات الأنبياء , وغُموض الملائِكة “

مازن .

——————————–

يغفر الله الذّنوب جميعاً إلا الشّرك , ويغفر العُشّاق كلّ الخَطايَا إلا الخِيَانة ..
الشّركُ في دين الله هو أن تُؤمنَ بآخر , والخِيانة في دين العِشق هي أن تحِبّ آخر .
” لا إله إلا الله ” في قلبِ كلّ مؤمن , و” لا ” يجتمع اثنان في قلبِ أيّ عاشق .

أن تُشرِك مع الله إلهاً آخراً فأنتَ خائِنٌ للأديان السّمَاويّة كلّها , وأن تُشركَ مع حبيبكَ حبيباً آخراً فأنتَ كافرٌ بكلّ مذاهبِ الحبّ , وخارجٌ من كلّ مِلَلِ العِشق , ..
أنتَ مرتدّ عن دينِ الهَوى ويجب هدر دمك .

العاشق يتعامل مع الحبّ بألوهيّة , إذْ أنّهُ لا يقبل أن يُشرَك معهُ أحدٌ ابداً , ..
والخائِن يتعامل معهُ بشَيطنة , إذ في الوقتِ الذي تكتشفَ فيهِ خيانتهُ ; يدّعي انّه أفضل مِن كلّ مَن يحيطُ بكَ , وأنْ ليس معكَ حقّ في أن تطردهُ من قلبك , وربّما أقسمَ قبل أن يرحل بأن يدمّرك , ثمّ يدمّر كلّ من تربطهُ صلة بك , وبالضّبط ..
كما فعلَ إبليس في السّماء ; يفعل كلّ الخَوَنة في الأرض .
أنّهم يغوون .! .

 

 
خلقنا الله على شيءٍ من هيئتهِ , ونفخ فينا بشيءٍ من روحهِ , وأعطانا شيئاً من صفاتهِ , ..
وهبَنا أشياءَ مثل :
” الكرم , العدل , الرّحمة , العلم , الحِكمة , العَظَمَة , … ” .
ثمّ عمّد الشّيطان بأن يمزُج كلّ هذا بشيءٍ من :
” البُخل , الظلم , القسوَة , الجَهل , التّهوّر , الذُلّ … ” .

[ إذن نحن أنصافُ آلهة , وأنصافُ أبالِسة .. ]
نُصيرُ آلهةً عندما نُحبّ , ونُسخَطُ شياطيناً عندما نُشركُ آخراً مع من نُحبّ .
الحبّ صَنيعة الخالق , والشّركُ بالحبيب ” عمَلٌ شَيْطانيّ ” ; لا أشكّ في ذلكَ مُطلقاً .

 
عندما نحبّ نصنع معجزاتٍ كثيرة , تماماً كإله , هو خلقنا بيدهِ ثمّ أعطانا _ نحن العُشّاق _ بعضاً من قُواه :
– نحن نعلم ” الغيب ” القريب أو البعيد كـ ( مرض الحبيب , حادث , موت ) ونسمّيه في مصطلحنا الآدميّ ” شفافِيَة ” :
يحدث ذلك عبرَ إحساسٍ مباغتٍ أحياناً , وأحياناً أثناء النّوم , أو خلال أحلامِ اليقظة , ..
” كيف ؟! : لا نعرف .! , المهمّ أنّه يحدث بالفِعل ” ..

– نستخدم ” الوحي ” ونسمّيه في مصطلحنا الآدميّ ” تيليبوثي / أو تخاطر ” , ونرسل رسائِل قصيرة سريعة إلى الحبيب المذهل أنهُ يستقبلها بالفعل .

أو قد نفكّر معهُ في نفس الشّي في نفس اللحظة , ..
وربّما ” ربّما كثيرة ” أن ننوي أن نتّصل بهِ في الوقت الذي يرفعُ هو السّمّاعة ليتّصل بنا , ..
أو يتّصل بنا قبل ان نُكمل هذا السّؤال :
” تُرى ! , مالذي أخّره ” ؟! ..
لكنّنا لا نعلم أنّنا _ وعندما تحرّك هذا السؤال في بالنا _ انّنا كنّا نقومً بإرسالِ رسالةٍ إليهِ , ..
إنّهُ وحيٌ من القلب للقلب , من الرّوح للرّوح , من العاشقٍ للعاشق ..
نحن نوحِي لمن نحِبّ عندما نحِبّ ; إذن نحن آلهة , ويوحَى إلينا ممّن يحبّنا ; إذن نحن أنبياء ..
[عندما تُحِبّ و تُحَبّ ; فأنت نصف نبيّ , نصف إله . ]

– تُكشَفُ عنّا الحُجُب , ..
نحن نرى مالا يراهُ البشر , نسمع مالا يسمعونه , ونشعر بمالا يشعر بهِ أيّ مخلوق .
أي أنّنا قد نشعر بوجود الحبيب بين مليون شخص ونعرفه وإن تخفّى عنّا , ..
وقد نشعر بوجوده أيضاً في مكانٍ عامٍ دون سابقِ موعد , ..
ويحدث كلّ ذلك دون وجود إشارة واضحة تدلّ عليه , أو على مكانه أو صفته , نعرفهُ بشيءٍ يسمّيه المتبحّرون في أمور العشق :
” فراسة , أو استشعار عن بُعد ” , ..
أنا أسمّيه :
” استشعار عن حُب ” .

 
عندما نشرك بالحبيب حبيباً آخر نصبح خوَنة , وعندما نخون نمسي أبالسة ; لذا :
– من الممكن أن نتآمر , أن نحيك الدّسائس , أن نشيَ بمن نحب , أن نوسوس له عبر آخرين ,..
أن نغويه , حتّى يصير شيطاناً مثلنا , ثمّ نتركهُ نحن بحجّة أنّنا الملائِكة ..

يعرفُ الخائِن أنّه ذاهبٌ ليُخَلّد في جحيمٍ من العلاقات المتعدّدة لا محالة لذا فهو يحرصُ أن يأخذَ معهُ أكبر عددٍ من الأنبياء , ..
ويعرف العاشق أنّهُ مخلّد في قلب حبيبه لذلك يحرص ألا يأخذ معه أيّ شيطان .
عندما نحِبّ الآخر أكثر ممّا يحبّنا ; حُبّا متطرّفاً , أعني لدرجة الشكّ والحيرة والقلق والغيرة ,
فنحنُ نقتربُ من أن نكون خليطاً من البشرٍ والشياطينَ والملائِكة , يعجننا الله بيديهِ من الطين , ثم يغمسنا في النّار والنّور معاً ; وهي معادلة قاتلة وخطَرة ومُربِكة , لأننا سنصبحُ وقتها :
” أكثر طاعة للحبيب وأكثر عصياناً له , أكثر خوفاً منهُ وأكثر خوفاً عليهِ , أكثر لُطفاً وأكثرُ عنفاً , أكثرُ تسامحاً وأكثر لوماً , أكثرُ إيماناً به وأكثر كفراً به , أكثر قلقاً , أكثر جنوناً , أكثر شكّاً , أكثر غيرة , أكثر ذِكراً لإسمه , وأكثر إنكاراً لهُ .! ” ..
باختصار :
أكثر تناقضاً .! ..
وعندها يصبحُ الآخر :
” … أكثر بُعداً , يصبحُ بعيداً جداً , بعيداً جداً جداً جداً كإله ” .

لذا يجب أن تتوازن الصّفات , وتتواءم القُوى .. لنحِبّ ونُحَبّ بنفس القدر ( إن أمكَن ( , ..
يجب أن نمشي بنفس السّرعة , ونُهرول بنفس السّرعة , ونركض بنفس السّرعة , ونقف في نفس المحطّة في نفس الوقت , ثم نعود ونمشي بنفس الخطوة , بنفس الرّتم والإيقاع :
تِك تَك / تِك تَك / تِك تَك / تِك تَك ..

يحدث أحياناً أن يتأخر أحد , أن يتعثّر أحد , أن يتعب أحد , قد يحدثَ خللٌ في الإيقاع , ..
وهو ما قد نسمّيه :
” هجر , خصام , فراق , بُعد , ملل .. ” .
الشّطارة أن يقف الآخر , أن ينتظر , أن يغيّر إيقاعه , أن يعود إلى النّغمة السليمة ليستريحا معاً ثمّ يُكملا المشوار , وهو ما نسمّيه :
” وِصال , رضا , صُلح , قُرب .. ” .

يجب أن نثِق في من نحبّ ..
يجب أن نعرف أنّ الثّقة صفة الإله , وأنّ الشّك سمَة البشر , ..
وأنّ الغيرة شُعور شيطانيّ لا ينقطع , وأنّ الإيمان عمل الملائكة المستمرّ ..
صدّقوني , ..
لأن من يثق يصبح أقوى , لأنّ من يشكّ يصبحُ أضعف ,
لأنّ من يؤمن يصبح أكثر نورانيّة , لأنّ من يغار يصبح أعنف ..
من تجربة عميقة , عميقة جداً , جداً ..
عندما تقع في الحبّ تصبح أحياناً :
نصف إله , نصف مَلاك ,
وأحياناً :
نصف إله , نصف شيطان ,
وأحياناً :
نصف إله , نصف نبيّ .

ما يعني _ بالنّسبة لي على الأقلّ _ أنّي عندما أحبّ لن أكون بشراً عاديّاً .
.
.
.
.
الحبّ شيء خارق .! , وأنا لديّ مُعجزاتي , ..
الحبّ إيمان .! , وأنا مؤمنٌ للغاية

ثلاثة رجال , ثلاثة نِساء , شيطانٌ واحد … وجريمة قتل !.

 

[ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ | لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ | إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ | فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِين ] *

* المائدة : 27 , 28 , 29 , 30

——————————–

ما لذي حصل على الأرض قبل أكثر من مليوني سنة ( تقريبا ) .! .

سبعة أفراد على الأرض .. سبعة فقط .

على مسرح الجريمة كان هناك :
ثلاثة رجال , ثلاثة نِساء , شيطانٌ واحد … وجريمة قتل !.

أوّل جريمة قتلٍ في التاريخ ; كانت من أجلِ المرأة , من أجلِ الحبّ , من أجلِ الغيرة .

ومن أجل أن يتزوج اختهُ ” بلوزا ” , قتل قابيل أخيهِ هابيل .
كانت أمّ الدّنيا “حوّاء ” مشغولة جداً في ذاك الوقت ; تلدُ ابناً وبنتاً في كل بطن , ومن المفترض أن يتبادل الرجال النساء _ وفقا لآلية التناسل التي فرضتها ظروف ذاك الزّمن _ ولهذا فكان من الطبيعيّ أن يتزوّج قابيل أختَ هابيل _ التي تجاهلها التاريخ تماماً _ على أن يتزوّج هابيل من بلوزا ..

لكن قابيل أحبّ بلوزا , و.. ” القلبُ وما يُريد ” ..
أحبها وأرادها لنفسه, .
وقتل أخيه في لحظة حبّ , في لحظة كُره , في لحظةِ قوّة , في لحظةّ ضعف , في لحظة أمل , في لحظة يأس , مع سبقِ إصرارٍ , ودون أيّ تخطيط ..
وبسرعة فائقة :
” دُم دُم دُم دُم دُم دُم ” .. هشّم رأسه بصخرة ..

لماذا حوكم قابيل على أنه أوّل مجرمٍ في التاريخ , ولم يوصف بأنه أول عاشقٍ في التاريخ ؟! ..
لماذا قيل أنه قتل أخيهِ بدمّ بارد , ولم يُقال بأنّ الحبّ والغيرة أضرمتا النار في جمرةِ قلبه .؟! ..
ولماذا كتب المؤرخون _ الذين لم يكونوا هناك بالمناسبة _ أنّه قتل أخيه دون رحمة , دون شفقة , وبعنف ودمويّة ووحشية ; وهو يقف كقالب ثلج , في الوقتِ الذي حضن فيه جُثّة أخيهِ بحرارة وبكى ..
بكى طويلاً , وكثيراً , وغزيراً ..

ولماذا ؟ :
غيّب التّاريخ شهادة ” بلوزا ” ؟! .
قابيل هذا .. هل كان قاتِلاً من الدرجة الاولى ؟ , نعم ..
لكنّه كانَ عاشقاً من الدّرجة الأولى أيضاً .
لو توقف الزمن في اللحظة التي رفع فيها قابيل الصخرة فوق مستوى رأسه .
وبالضّبط بالضّبط قبل أن يهوي بها على رأس أخيه , في هذا الجُزء من أهمّ ثانية في تاريخ الإنسانيةّ كلّها هذه اللحظة تهمني كثيراً وسأقولُ لكم لماذا :
تلك أوّل لحظة حبّ , أوّل لحظة غيرة , أوّل لحظة غضب , أوّل جريمة قتل , أوّل لحظة ندم , أوّل حالة بكاء , أوّل قاتل , أوّل قتيل , أوّل قبر , أوّل , وأوّل , وأوّل , وأوّل , وأوّل ..
عدّوا معي ..
عدّوا وستتعبوا كثيرا لأن التاريخ هناك كتبَ أول ” كل شيء ” ..

لو طلبت منكم الآن بهدوء أن تُحضّروا قهوتكم , وتُطفئوا الأنوار , وتجلسوا على الصّوفا , وتوقفوا المشهد في تلك اللحظة تحديداً , وتسألوا أنفسكم معي :
– ” مالذي رآه قابيل في تلك اللحظة ” ؟! ..
مالذي جعله يحمل صخرة من الأرض , ثمّ يرفعها فوق مستوى رأسه , ويُلقي بها على رأسِ أخيه ؟! ..
بسرعة , دون تفكير , ودون أيّ تردد .؟! .

أنا ؟ , ..
أنا أقول لكم هذا من خلال رؤية مختلفة , ..
وتجارب إنسانية متراكمة , وقاسية , ومؤلمة , وعميقة , ومؤثرة , وممتدة , ..
وهذا الرأي غير ملزم لكم بالتأكيد :
– ” قطعاً قابيل لم يرَ هابيل ” .. إطلاقاً .! .
كان قابيل _ في تصوري _ يرى أبعد من ذلك , وأهم من ذلك , وأجمل من ذلك ..

كانت ” بلوزا ” تقف بشعرها الطويل حتى ساقيها خلفَ هابيل , وكان الشيطان يقف خلفَ بلوزا ..

وكنت أنا _ من زمنٍ آخر _ أراقب المشهد بدهشة , وبصمت , وبإنصات شديد .. ودون حراك .! .

 

 
تخيلوا ..
أنا أشفق على هذا الرّجل ..
كل تلك المشاعر الإنسانية صُبّت في قلب , وروح , وعقل , وجسد ” بني آدم ” واحد ..
كل تلك المشاعر التي لم تجرّبها البشريّة إطلاقاً , وكانت تجربها ذاك الوقت لأول مرة ; جرّبها رجلٌ واحد ” لوحده “, في لحظة واحدة , ودُفعة واحدة .

قابيل الذي لُطّخَت سمعته , وأهين , وجُرّم , وعوقِب , ونُبِذ , ووصف بأنه أوّل من ارتكبَ جريمة في تاريخ الإنسان ..
قدّم قلبهُ قرباناً لتعرف الإنسانية اسم وشكل وطبيعة أول مشاعر آدمية .
عدّوا على أصابِعِ يديكم :
الحُبّ , الغيرة , الحسد , الكُره , الغضب , الحيرة , النّدم , الـ .. بُكاء .
لماذا يقتل الرجل من أجل المرأة ؟! .
لماذا يُزَجّ العُشّاق جماعاتٍ في السّجون , والقُبور , وفَرادى في القُلوب المُظلمة ؟! ..
لماذا يقفون بشجاعة على المشانق , وتحت المقاصِل , ووسط المَطر والرّيح ورَصاص البَنادق ؟! ..
لماذا يهيمون حَزَانى في الصّحارى , والأودية , والجبال .. يقولون شعراً .. ويتبعهمُ الغاوون ؟!

لماذا يحدث ذلك كلّه , ثمّ _ وببساطة شديدة _ تغيب المرأة التي ضيّع من أجلها العاشق عمره .. بعد شهر , شهرين , ثلاثة على الأكثر ..
لا تقف على شاهدِ قبرهِ , ولا تُنشد شعره , ولا تزور ..

نعم .! ..

” قتّش عن المرأة ” ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نابليون بونابرت
لماذا لم نسمع بأنّ امرأة قتلت من أجل الحبّ .. ؟! ..
لأن المرأة أذكى من أن تفعل ذلك .
لأنّ المرأة أقلّ حبّاً , أكثر صبراً , وابعد نظراً ..
ولأنّ الرجل أكثر ” خيبة , أكثر ” خيبة , أكثر ” خيبة .

ثقوا بي ..
الرجل عندما يحبّ لايرى أبعد من أرنبة أنفه , والمرأة عندما تحبّ يطول أنفها أبعدَ مما نتصوّر .

الكلام في الحبّ سهلٌ جداً .

 

يا الهي عندما يضربنا الحب على غير انتظار ; مالذي يذهب منا , ما الذي يولد فينا ..
كيف نغدو كالتلاميذ الصغار ابرياء ساذجينا .

يا الهي كيف نستسلم للحب ونعطيه مفاتيح الامان
واليه نحمل الشمع وعطر الزعفران , كيف ننهار على اقدامه مستغفرينا ..

” نــــــزار ” .

—————————–

الحب لا يستأذنكم إن أراد الدخول إلى قلوبكم , ..
الحب لصٌ محترف , ومثقّف في نفس الوقت . إذ يندر هذه الأيّام أن تجد لصّا مثقّفاً .
اللصوص الأغبياء كثير , ويسقطون بسرعة في يدّ العدالة ..
لكنّ المثقفينَ منهم نُدرة , ويختارون ضحاياهم بعِناية شديدة , وبدقّة شديدة , وبطولِ بال ..
بمعنى أنّه يحدّد خصمه بانتقائيّة مُدهِشة , يتعرف عليهِ بتأنٍّ مستفزّ , ويدرسُ كلّ عاداته بتفصيلٍ مملّ ..

 

وكلّ يوم ..
يراقبُ دخولك وخروجك , ومن تصادق ومن تعادي , ومن تحب ومن تكره , وماذا تأكل وماذا تشرب , وأين تتناول إفطارك , وأين تقضي سهرتك كلّ مساء .. باختصار :
هذا الكائِن يعيش معَك دون أن تدري .
يوما بيوم , ساعة بساعة , دقيقة بدقيقة , وثانية بثانية .
قد يعيش معك كمخلوقٍ علويّ , أو كمخلوق سفليّ ..
الإثنان يستطيعون رؤيتك ولا تستطيع رؤيتهم , .. وأحدهم , أحدهم سيحطّمك بكلّ تأكيد ..

 

السّيطرة على حواسّك هي هدفه الأوّل , ولعبته التي لا يتقنها غيره , وسلاحه المجرّب والمهمّ والذي لا ينتصر بِسواه ..
حتّى أمهر السّحَرة , ولاعبي الخفّة لا يمكنهم مجاراته في هذا ; في الحقيقة هُم يتعلّمون منهُ مهنتهم ..

في البِداية يتحكم في بصرك , إذ لا ترى غير المحبوب ..
ثم يتحكم في سمعك , إذ لا تسمع غير صوته ..
ثمّ يبدأ في نشلِ حواسّك الواحدة تلو الأخرى ..
ولمّا يتمكّن منك ; يشلّ قدرتك على النطق كي لا تقوى على الصّراخ وطلب النجدة , ثم ..
يمدّ يده _ بمِهارة شديدة _ في جيبك ويسرق كل مفاتيح قلبك , وروحك , وعقلك .. ويضع قدمه الأولى في أعماق أعماقك بكلّ ثقة ..
وبعد أن يدخل ..! , .. ” يعزمك ” _ بكل بجاحة _ على الدخول معه .! .

 
إن خبأت عنه المفاتيح ; سيدقّ عليك الباب بكل أدب وهو يحمل بين يديه باقة وردٍ جميلة كأي جنتلمان .

وإن لم تفتح له .! ..
سيلقي الورد على عتبة دارك ثم يتسلل من تحت عقب الباب مثل الزّئبق , مثل الماء , مثل الهواء , مثل العطر , مثل الملائكة , مثل الشياطين , لن يعيقه أيّ شيء , أيّ شيء .
إنّه يدخل إلى بيتك مثل كل المخلوقات التي لا تُرى , ولا تُمسك , ولا تُحَسّ , ولا نشعر بها ..
وبعد أن يدخل .. صدقني ..
ستشعر به , ستشعر به جداً , جداً ..

 

إن لم يستطع الدخول عبر الباب .. قد يقفز عبر الشباك كأي ” حرامي ” ,
أو ينزل لك من المدفأة مدعياً أنه ” بابا نويل ” وأنه يحمل لك هدايا عيد الميلاد ..
لا تصدقه . .
فـ ” بابا نويل ” لا يزورنا أبداً في الخريف

 

حتّى وإن كان بيتك بدون مدفأة ؟! , حتّى وإن أغلقت أمامه الشبابيك ؟! .
بعد أن تغلق آخر شباك , وتسدل الستائر , وتطفيء الأنوار وتعود .. ستتفاجأ به على مائدة طعامك , وهو يعدّ العشاء .. لإثنين ..

 

 

الحبّ يزدادُ عُنفاً وإصراراً كلّما صدّيناه ..
أنا شخصيا أعترف أنّ الحبّ كان أقوى , وأذكى , وأشرس , وأعنف , وأدهى , وأقسى من واجهت في حياتي .

لديه القدرة أن يصبح المسيح , ولديه القدرة أن يصبح الشيطان في نفس الوقت .

 

 

الكلام في الحب سهلٌ جداً , لكن الإقامة معه صعبة .
الكلام عن الحبّ جميل جداً , لكنّ الإقامة معه بشعة جداً .
هو ضيف ثقيل , فضولي , مزعج , متطفل , عنيف , قاسٍ , فوضوي , ومتطلّب ..
لكنه حلو , ممتع , لذيذ , بريء , ساذج , وطيّب جداً , ويملك عقل طفل ..
تستطيع رشوته بقطعة حلوى , وتستطيع إشغاله بلعبة جديدة لكي يكف عن إزعاجك .
” خللي بالك ” ..
سيهدأ قليلاً لكنه لن يغادر ..
فبعد أن ينتهي من التهام الحلوى سيعود لإزعاجك مرة أخرى ..

نصيحتي إليك :
” لا تذهل من مظهره وهو ملطخ بالشوكولاتا , فقط اشتري راحة بالك وأعطِهِ لعبة أخرى , واحفظ في دولابك الكثير , الكثير , الكثير , الكثير من الحلوى ” .

 

لا يهمه إن كنتِ مكتئبا , لا يهمه إن كنت حزينا ..
هو لا يكترث إن حدث الفُراق بينك وبين من تحبّ , لا يقنعه أبداً أن تقول له وأنت تبكي :
” أنا تركته .. قلت له اتركني , وتركني وغادر .. أستحلفك بالله .. هيّا غادرني معه ” ..

لأنه .. سينظر إليك بكل برود , وسيجيبك وهو يهزّ كتفيه :
” وانا مالي , i dont care “
ثم يدخل قلبك مرة أخرى ويقفل الباب وراءه , …. وينام , وأنت ؟ , أنت لا تنام , أبداً لا تنام ..

 
الحب الذي يغذينا بكم هائل من الأحاسيس , والعواطف , والمشاعر , والرقّة , والحنان , والعطف , والشوق .. هو في الحقيقة مخلوقٌ لا إحساس لديه , ولا يملك أيّ مشاعر و .. لا يرحم .

 

هو ” ذوق ” جداً أمام الآخرين .
جرب مثلاً أن تشتكيه لأي صديق , جرب مثلا أن تقول :
أنهُ لا يعير دموعك أي اهتمام ..

وفي لمح البصر , ستراه وهو يحضر لك المناديل لتكفكف دموعك , سيضعك في موقف محرج جداً , وسيبكي معك أمام صديقك ..

 

إن أحببت يوماً ما , لا ترمي التّهمة على الحبّ ..
لأنه سيغادر مسرح الجريمة / قلبك , ثم يحضر للجميع بيّنة تواجده في مكان آخر وقت حدوث الغرام ..
الحبّ بالنسبة للرّجل خروج من عالم ضيّق إلى عالم أرحب , لهذا يعتبر الرجل أن تجربة الحبّ تُحاكي تجربة ولادته .
والحب بالنسبة للمرأة هو الطائر الذي يقف على صارية السفينة ليعلن الوصول إلى اليابسة , لهذا تعتبر المرأة الحبّ مخلوق تستطيع أن تراه , لكن لا تستطيع أن تمسكه .. تعتمد عليه للوصول لبر الأمان , ثم عندما تكتشف أنها تورّطت في جزيرة موحشة ومهجورة .. لاتجده على الصارية , ولا تجد السفينة اصلاً .

هذا الطّائر هو الرّجل , وتلك اليابسة هي المرأة , وهذه المركب هي الحبّ .

هو المركب الوحيد الذي يبحر بلا دفة , وبلا شراع , وبلا ربّان , وبلا خريطة ..
لو حاولت أن تدير الدفة , أو ترفع الشراع , أو تستعين بربّان , أو ترسِم خريطة تدلّك على اتّجاه الرّحلة .. ثق تماماً انّ الرحلة ستنتهي .

 

لا أؤمن بحبّ مبرّر , أؤمن بفراق مبرّر .
إن قال لك من تحب يوماً أنه يحبّك لسببٍ ما , فثق أنّه سيتركك لزواله .
ومن يعدّد أسبابه في حبّ الآخر , فمن وجهة نظري أنّه سيعدّ أسباب الفُراق على أصابع يديهِ أمامهُ في أقرب فرصة .

 
هذا الجهل بالسبب , هو الدّاعم لمشوار الحبّ .
وإن عُرف السّبب , بطُل الحبّ كلّه .
يجب أن ندعوا ربّنا ألا يأتي إلينا الحبيب يوماً ما بسببٍ واحدٍ يفسّر لنا ” لماذا يحبّنا ” .؟! .
لأنّ هذا السّبب سيكون المسمار الأول الذي سيُدقّ في نعشِ العلاقة .

 

وهذا يؤكّد أنّ الحبّ ; يحدث لسبب لا نفهمه , ولن نفهمه .
يحدث لشيء غير ملموس , شيء لا نراه بالعين المجرّدة , ولا نشعر :
متى , وكيف , وأين , ولماذا يحدث .

شيء خارق , وغير طبيعي , وغير آدمي .
يحدث دون منطق , دون معادلات , دون مقياس , دون حسابات , ودون تخطيط .

قد يحدث لنا مع أناسٍ دميمي الخِلقة , قد يحدث مع أناسٍ سيئي الطباع , قد يحدث مع أناسٍ ثقيلي الدّم , مع تقليديين , عاديين … إلى آخره .

حتى وإن كان الحبيب جميلاً , طيباً , مثقفاً , وخفيفَ دم .
وهذه لو حصلت فـ ” حظّنا من السّما ” , أن نقع في غرام من يحمل تلك الصفات الجميلة ..

إلا _ ويجب أن تصدقوا هنا _ أن تلك ليست أسباب عشقنا للآخر .

الحبّ قدر , ومكتوب , ونبوءة قديمة يجب أن تتحقّق ..
قدرك أن تحبّ شخصاً دميم الخلقة , قدرك أن تحبّه جميلاً .
أن تحبّ شخصاً سيء الطباع , أن تحبّه ملاكاً .
أن تحبّ شخصاً مرحاً , أن تحبّه ثقيلَ دمّ .
ولكن , ولكن كلّ هذا لا يفسّر لنا لماذا نحبّه .! , ..

 
لماذا نحبّ .؟! ,
لماذا نحبّ .؟! ,
لماذا نحبّ .؟! , ..
إن عرفت سبباً واحداً يبرر حبّك للشريك , تأكّد أن العلاقة انتهت .
الحب مرض
له سبب , له أعراض , له تأثيرات جانبية , له أطباء , و … مُعدي .
لكنه المرض الوحيد الذي ندعو الله أن نصاب به , ثم نحتار بعدها , نحتار جداً .. هل ندعو الله ليشفينا منه أم لا يشفينا .

تـُـفـّـاح .

الشّيطان قال مالم تقلهُ الملائِكة , بابُ الجنّة أغلقَ , آدم يهبِط للأرض , وحوّاء لا تريد .
وأنا أكتب الشّعر لكم ; منذ عشرين قصيدة في حقيبتي أو تزيد .

 
يموت الانبياء فُرادى , يموت العاشقون حَزانى , ويموت الخوَنة جماعات .
وأنا متّ قبل أن يعلّم اللهُ الأسماءَ أبي , قبل أن يزرع الله التفّاح في صدر أمي .
الآن آدمُ مات , وتفّاح أمّي يسقط عن صدرها ..

 

 

الثّمرُ المحرّم عليّ امرأة ًتشبه أمّي , الثّمر المحلّل لي قلباً لا يشبه قلب أبي ..

 

 
من أحضر حرّاس الحاكم يا يوحنّا , ثلاثة أيّام كتب الله كلاماً لا يشبهني ..
من قبّلني وخان أبي , وأنا أطعمكم خُبزي قلبي , من أحضر حرّاس الحاكم يا يوحنّا , ثلاثة أيّام نادتني أمّي أبتِ وعرفتُ بأنّي مغادِر هاذي الليلة , تلك المرأة الـ تشبه أمّي , يتدحرج ذنبي من عينيها , يسقط  تفّاحٌ أحمر , بين يديها من نهديها , تلك المرأة تشبه همّي , تُعِدّ صليبي بين السبّابة وبين البنصر .

 

 
الشّعرُ كلامي قبل أن يطردني ربّي .. قال الشّيطان الآن وهبتك شِعراً لا يتوقّف , لا تطرد أولاء النّسوة , قطّعن التّفاح لأجلك , الآن وهبتك شعري كلّه , لا تطرد أولاء النّسوة , قطّعن التّفاح لأجلك , ومُدّ يديكَ لصدر زُليخا , وكُلْ كلّ ثماري , الآن وهبتك تفّاحاً لا يسقط أبداً , تفاحاً لا يُخرجكَ من الجنّة ..

تعال إليّا وقدّ قميصي , هيت كثيرا جداً .

 

 
يمدّ الحُزن الخطوة , يسعى سبعاً ويطوفْ ,  ويصلّي فوق جبيني ألف صلاه ..
يحتلّ نبيّ آخِر صفٍ في همّي ويدعو أن يأخذني الله .

 

 
ماذنبي يا الله .! ..
لم أرفض أن أسجد للطين , لم آكل تفاحك , لم أقتل إبن أبي , لم أقتل يوماً أي نبيّ , لم أعلن أنّي ربهم الأعلى , لم أقطع رقبة زكريّا بالمنشار , لم أقتل يحيى , لم أغتال إمام المسجد في رمضان , لم آكل تفّاحاً من بيت زليخا , لم تحبل منّي بنت الجيران ..

 

 

يقسمني حُزني نصفين

مثل التّفّاح , …. .
يقطعني نصل السكّينِ ولا أرتاح

إثنا عشر غصناً , إثنا عشر حزناً .

1

لمّا انْحَنَيْتُ للعَاصِفَة , دَاسَتْ عَلَيّ شَجَرَةٌ هَارِبَة ..

 

 

2

لِمَ تَغْتَالُنِي الأشْجًارُ .. دائماً , و .. حتى أنَا ..
حتى أنا غُصْنٌ نَحِيِلٌ والله .. غصنٌ نحيلٌ و ” في حَالِي ” , ولَمْ أخْدِشْ خَصرَ شَجَرَةٍ في حَيَاتِي ..

 
3

[ زمان .! ] , كّانَ المَرْجُ جَبِيِنِي .. [ الآن .؟ ] , يَرْقُصُ الأَلَمُ على رَاحَتِي ..

 
4

دَوْمَاً , دَوْمَاً , دوماً أشْعُرُ أنّنِي مَقْطُوعٌ مِنْ شِجَرَة ..

 
5

جَدّتِي تَقُولُ بِأنّي نبتٌ شيطانيّ , وأمّي تَدّعِي أنّني بِذرَة غَيرها , وأبِي يَهُزّ رأسَه موافقاً ..
وأنا .؟! , ..
أنا لا أعرِفُ من أيّ الجُذُورِ طلَعت ..!

 
6

والآن ..
الحُزْنُ في صَدْرِي شَجَرَة عَتِيِقَة تَرْفَعُ أغْصَانَهَا لِلسّمَاءِ ..

 
7

لأنّنِي بِلا أُمّ .

 
8

لأنّنِي بِلا أَبّ .

 
9

بِلا إخوة .

 
10

بلا أخوات

 
11

بِلا أصدقاء .

 
12

لأنّنِي وَحِيدٌ , وبَرْدَانٌ , ومَا عِندي مِعْطَفٌ يَقِيَنِي شَرّ الحُزْنْ

الطّبلُ قلبي , الأوتارُ أوردتي .

ياربّنا , إني أعتذر لكّ عن :

( البُكاء ) .

إنْ جئتُ يوم القيامةِ بَاكياً , فلأنّ أوجَاعِي مَعي .
إن جِئتُ مُنحنياً ومُنكسراً , فلأنّ شجرَ أحزَاني لا زالَ يطرحُ أدمُعي .
إن جئتُ بلا ذِراعي , بلا فمي , بلا لِساني , بلا دَمي .

إن جئتُ بلا يدي ; أنا آسفٌ جداً يا سيّدي ..

أنا لن أموت في هذهِ الليلة , أنا لم أحضّرَ نفسي جيّدا هذا المَساء , أنا لا أرتدي شيئاً غير خطيئتي , وبيني وبينكَ ; ما معي إلا البُكاء .

———————-

أعتذر لك عن ( الكلام ) .

ماذا أقول يا سيّدي ..

ماذا أقول ومنذ البارحة ; بُكاؤنا يهطل علينا , ماذا أقول ; حتّى دعاؤنا يا سيّدي يرجع إلينا .

———————–

عن ( الحياة ) .

إعرض عليّ اقتراحاً واحداً وسأقبله ..
هل أنتحِر ! , وأنهي كل المسألة !, ..
هل أختصرَ المسافَة والزّمن , وأموتُ بملء إرادتي وبرغبتي وبلا ثمَن ! ..

لكنّني أخشى يا سيّدي إن موّتّ نفسي ; لا أموت .
لكنّني أخشى أن تقف الرصاصة بين الزّناد وأضلعي , .. ولا تفوت .
————————-

عن ( الغِناء ) .

يا سيّدي , إبقَ معي ..
إني أغنّي هذه الأحزان بمفردي .
الطّبلُ قلبي , الأوتارُ أوردتي , وإصبعي ..

صوتي بكاء , وفرقتي :
طفلٌ حزين , وتعاستي , وأمّي التي لا تبكي عليّ وأخوتي , وغياهبِ الجبّ في قلبي , ووحدتي , والوجع الذي أكَل من رأسي ” سعادتي وذكرياتي ومُتعتي ” ,
والخيل والليل ,والبيداء التّي …..
————————-

عن ( الحبّ ) .

الحبّ :حُجّة ” الوحيد ” ..
والفرقى : قدر
لا بدّ أنّي لا أجيد , سوى الكلام عن المطَر ..
————————–
عن ( البقاء ) .

و” هزّ إليكَ بجذع ” الرحيل , لأسقط جنيّاً مثل الرّطب
وأمهلني ” الليل نصفاً إلا قليل ” , لأكتب لك بيتاً من عتَب .

————————————

 

كيف ستبدوا الكِتابة بعد الأربعين .

41

الـكِـتــابـة فـعـلُ أمــر .

42
هـل يُـزعـجـكِ صـوت أنـيـنـي ! :
… خـلّـي يـديـكِ عـنـد جـبـيـنـي .

43

أيّ سـرّ أحـمـل ؟! :
…. لـلأسـرار لـغـة ; اسـمـهـا الـنّـدوب

44

أنا أكـتـب , إذن أنـا ( مــوجــوع ) :
” ديـكـارت ” لـن يـقـاضـيـنـي عـلى الـبـنـد رقـم ( 44 ) , لأنّ ” ديـكـارت ” يـفـكّـر , وأنـا أكـتـب , ” ديـكـارت ” مـوجـود , وأنـا مـوجـوع

45

الإنـسـان الـطـبـيـعـي , عـقـل يـتـحكّـم فـي عـشـرة أصـابـع :

وأنــت :
إنـسـان غـيـر طـبـيعـي , أصـابـعـي العـشـرة تـتـحـكّـم فـي عـقـلـي

46

فـي مـحـراب الـعـبـادة , عـشـرة يـصـلّـون خـلـف الإمــام :
في مـحـراب الـكِـتـابة , أنـا أصـلّـي خـلـف أصـابـعـي الـعـشـرة

47
إذا لـم أخـبـز حـزنـي , أكـلـت أصـابـعـي

48

أنـا أكــتــب :
وجـهـي الآن يـشـبـه ” حـجـر رشـيـد ” , قـديـم , غـامـض , ومـلـيء بـالتـعـويـذات الـهـيـروغـلـيـفـيـة

49

أنا ” لا أكـتـب ” , ولـكـنّـي أتـجـمّـل
أحـمـد زكـي أيـضـا لـن يـقـاضــيـنـي عـلـى هـذه الـجـمـلـة , لأنّـنـي لا أكـتـب , وأحـمـد زكـي ” لا يـكـذب ” , لأنـنـي أتجـمّـل , وأحـمـد زكـي مـيّـت

50

النّـخـل المـحـنـيّ أصـابـع يـدي , الـرّيـح الـعـاصـفـةُ تـأكـل كـبـدي

51

وأنـا أكـتـب أبـكـي بـعـض الـشّــيء , وأنـا أبـكـي أكـتـب بـعـض الـشّــيء

52

الـبُــكــاء :
صـلاة اسـتـغـاثـة لـم أدع إلـيـهـا